============================================================
النبيد شح معالمر العدل والنوحيل واما أن يكون معللا بقسم آخر وراء هذه الأقسام، وهو باطل؛ لأن المقتضي للمدركية لو كان أمرا مغايرا للحيية وصحة الحاسة ووجود المدرك وانتفاء الموانع لزم منه المحالات الكثيرة، ولما بطلت هذه الأقسام لم يبق إلا أن المقتضي لكونه مدركا هو الحيية، وإنما قلنا: إن الحيية لما كانت مقتضية للمدركية شاهدا وجب أن تكون مقتضية لها غائبا؛ لأن صفة الحيية غير مختلفة في الشاهد والغائب، فإذا كانت مقتضية لها في الشاهد وجب أن تكون كذلك في الغائب.
لا يقال: إن الحيية لا تقتضي المدركية في الشاهد إلا بشرط صحة الحاسة، وهذا الشرط محال على الله تعالى، فيجب استحالة المدركية في حقه؛ لأنا نقول: إن حاجتنا إلى الحواس لكوننا أحياء بحياة، والقديم تعالى حي لذاته، فيجب أن يكون مستغنيا عن الحواس، ولهذا فإنا لما كنا قادرين بالقدر احتجنا إلى الآلات، ولما كان قادرا لذاته استغنى عن الآلات، فكذلك الحي لنفسه يستغني عن الحواس، فهذا منتهى هذه الطريقة.
الطريقة الثانية ذكرها صاحب المعتمد.
قال: إنا متى علمنا في شيء كونه حيا سليما عن الموانع فإنا نعلم بالضرورة أنه متى وصل إليه المدرك فإنه لا بد أن يدرك وإن لم يوجد شيء آخر، ومتى لم يكن حيا استحال أن يدرك المدرك وإن وجد سائر الأشياء، وهذا يقتضي أن الحيية علة للمدركية، إذ لو لم تكن كذلك لكان الحي السليم إذا وصل إليه المدرك ولم يوجد ما يقتضي الإدراك وجب ألا يصير مدركا، وهذا يقدح في علمنا بالضرورة أنا متى علمنا حيا سليما عن الموانع علمناه مدركا للمدرك الواصل إليه، فإذا ثبت ذلك فنقول: لا شك أن المدركية موقوفة في حصولها على اال وجود المدرك ثم لا يخلو إما أن يتوقف بعد ذلك على شرط آخر أو لا يتوقف، فإن لم يتوقف على شرط آخر كانت المدركية حاصلة؛ لأن المدرك حاصل، وإن وقفت على شرط آخر فذلك الشرط لا يخلو إما أن يكون هو الشرائط المعقولة فيما بيننا من سلامة الحواس
صفحه ۱۹۶