قال: ومن المستقبح من الإِنسان أَن تكون أَفعاله في صورة ما هو قبيح وإِن لم تكن قبيحة، مثل أَن يكون الإِنسان من أَهل بيت أَو من أَهل مدينة هم أَهل قبائح، فإِن الإِنسان قد يلحقه من قبل هؤلاءِ مخاز وإِن لم تكن له أَشياء يخزى منها في نفسه. ومما يعير به الإِنسان أَن يكون أَشباهه من الناس يفعلون أَفعالا جميلة ولا يشركهم هو فيها، أَعني في كلها أَو أَكثرها. وأَعني بالأَشباه المتساوين في الجنس والذين هم من مدينة واحدة، والأَتراب، أَعني ذوي الأَسنان المتقاربة، والذين تجمعهم حالة واحدة: إِما حلف، وإِما صداقة، وإِما غاية واحدة يقصدونها؛ وبالجملة جميع الذين يستوون في شيءٍ واحد، مثل أَن يكونوا أَهل صناعة واحدة أَو عمل واحد. وإِنما كان ذلك كذلك، لأَن مباينة المرء من يساويه ومخالفته له قبيح مستنكر حتى في العقوبات النازلة بهم والشرور التي تنالهم، وذلك أَن النكبة التي تنال مثلا أَهل المدينة، والغموم التي تنال الأَصدقاء، متى لم يشاركهم الإِنسان فيها، كان قبيحا به، وكذلك جميع الخيرات والشرور الباقية.
قال: وجميع أَفعال المخازي التي ذكرناها إِنما تظهر في هؤلاء الأَصناف من الناس الذين عددنا، وذلك في الأَكثر مثل الجشعين والخوارين وما أَشبههم. وهذه الأَفعال التي ذكرناها هي أَفعال تصدر عن الشرارة وقبح الأَخلاق، ولا سيما إِذا كان الإِنسان من تلقاءِ نفسه هو السبب فيما كان من هذه الأَفعال أَو يتوقع أَن يكون.
قال: وأَما المخازي التي تلحق الإِنسان مما يناله من غيره أَو يذعن له أَو تتصل به بأَي وجه اتصل، فكل ما كان مما يؤدي به إِلى أَن يهوى بها عند الناس وأَن يعير به، وذلك مثل جميع الهئات البدنة القبيحة، مثل أَن تحلق لحيته، أَو يتزيا الرجل بزي المرأَة، ومثل جميع الفواحش التي تفعل بالنساءِ والصبيان. ومن هذا الفضيحة والهوان، وأَعني بالفضيحة الاشتهار عند الناس بأَمر قبيح، وبالهوان مثل أَن يزدرى به فيظلم أَو يكون وحيدا لا ناصر له. ومن هذه الأَشياء القبيحة التي يركبها الإِنسان ويصبرعليها من غيره لمكان الطمع والجشع، مثل الذين لا يبالون بأَي وجه اكتسبوا المال من أَوجه خسة المكسب. وسواء كانت الأَشياءُ لاحقة للإِنسان باختيار منه أَو بغير اختيار، مثل فعل الفواحش بنساءِ الإِنسان أَو ولده، فإِنه يلحقه بذلك العار، سواء كان باختياره أَو بغير اختياره. ومما يُستحى منه الا يأَخذ الإِنسان بثأره.
قال: فهذه التي ذكرناها وما أَشبهها هي الأَحوال التي إِذا كانت في الناس استحيوا وخزوا منها، وهي الأَشياءُ التي تفعل الخزي والاستحياء.
لأَن الخزي والاستحياء إِنما يعرض للمرءِ إِذا تخيل الأَمر الذي يحمد عليه أَو الأَمر المحمود وأَنه قد عدمه. ومن أَجل أَن الخزي إِنما يكون من قبل تخيل عدم الحمد، وكان عدم الحمد إِنما يكترث منه إِذا كان من قبل الفضلاءِ من الناس، فبين أَنه ليس يُستحى من كل أَحد من الناس. وإِذا كان الأَمر كذلك، فإِنما يستحي المرءُ بالجملة من القوم الذين يأْلم بفقد مديحهم. وأَحد هؤلاءِ هم الصنف من الناس الذين يتعجبون منك ويرون لك فضلا كبيرا؛ وكذلك الصنف من الناس الذين تتعجب أَنت منهم تستحي منهم؛ والذين تحب أَن يكروموك تستحي أَيضا منهم.
قال: والذين لا يستخف بحمدهم فقد يحب أَن يكونوا متعجبا منهم. وإِنما يتعجب من كل من كان له خيرٌ ما من الخيرات الخطيرة النفيسة، مثل المُلك والحكمة، أَو يكون الذي يتعجب منه عنده خير من الخيرات التي يكون المتعجبون منه محتاجين إِليها جدا جدا، أَو يحتاج إِليها من هو رئيس على المتعجب؛ وبالجملة: من هو أَرفع قدرًا من المتعجب.
قال: والذين يحب الإِنسان أَن يكون مكرما عندهم هم أَشباهه من الناس، وذلك إِما أَترابه وإِما قومه وإِما أَهل مدينته أَو أَهل صناعته. والصنف أَيضا من الناس الذين يعتقد المرءُ فيهم أَن ظنونهم واعتقاداتهم فيه اعتقادات صادقة من قِبَل أَنه يرى أَنهم ذوو لب وعقل، مثل المشايخ وذوي الآداب فإِن الإِنسان يحب الكرامة من هؤلاءِ.
1 / 69