قال: فأَما الأَشياء هي التي منها يستحى أَوْ لا يستحى، وعند من يكون الحياءِ من الناس وأَي حالة فيها هي الحالة التي إِذا كانت في الإِنسان عرض له هذا الانفعال، فذلك يعلم مما نقوله. فليكن الخزي أَو الاستحياءِ حزنا أَو اختلاطا يعرض عن وقوع الشرور التي تصير المرءَ غير محمود، إِما في الحال الحاضرة وإِما فيما سلف وإِما فيما يستقبل.
وأَما الوقاحة فاستهانة وقلة أَلم واكتراث بحدوث هذه بأَعينها، أَعني التي يكون منها الحياءُ.
وإِذا كان هذا هو حد الاستحياء، فبين أَنه إِنما يستحي المرءُ من هذا النحو، أَعني مما كان من الشرور يظن قبيحا مستبشعا إِذا ظهر عليه أَو على من يعنى به. وكلما كان من هذا النحو فهو إِما من فعل الشرارة، وإِما من فعل الرداءة. وأَعني بفعل الشرارة ما يلحق الغير منه مضرة، مثل جحد الوديعة وركوب الظلم؛ وأَعني بفعل الرداءة النقائص التي لا يلحق الغير منها في الأَكثر مضرة مثل إِلقاء السلاح والفرار جبنا وخوفا.
قال: ومن الشرور القبيحة التي يستحي منها معاشرة الذين لا ينبغي أَن يعاشروا، وحيث لا ينبغي أَن يعاشروا. والذين لا ينبغي أَن يعاشروا هم ذوو الشرارات وذوو الأَخلاق الدنيئة. ومن الشنيع أَيضا الذي يستحي منه الأَكتساب من الأُمور الحقيرة أَو المستقبحة أَو من الضعفاءِ كالذي يرزأ من المساكين أَو من الأَموات.
قال: ومن هذا يقال في المثل: ولو من الميت أَكفانه. وهذا كله من قبح المكسب واللؤم.
ومن الخلق التي يُستحي منها أَن يكون الإِنسان موسرا ولا ينتفع من ماله بشيء. وإِن انتفع فنفع يسير. ومن ذلك يَسئَل المقلين ويحتاج منهم وأَن يتسلف أَيضا حيث لا يصلح به وأَن يكون إِذا وعد إِنسانا بشيء فتقاضاه ذلك الشيءَ سأَله هو أَيضا حاجة ليدفعه بذلك عن تقاضي ما وعده. وعكس هذا، أَعني إِذا سُئل شيئا ما تقاضى هو السائل ما كان قد وعده به ليدفع عن نفسه السؤال. ومما يستحي منه أَن يمدح الإِنسان المرءَ عندما يرى ذلك الإِنسان مقتدرا على قضاءِ الحوائج ولا يمدحه في غير ذلك الوقت، بل إِذا خاب رجاؤه ربما قلب في ذمه.
قال: ومما يُستحي منه التملق وهو قريب من أَن يكون مدحا، وذلك مثل أَن يمدح المرء بأَكثر مما فيه، أَو يخرج المساوئ والنقائص في صور الفضائل، أَو يجد إِنسان وجعاُ أَو مصيبة فيظهر أَنه أَشد تأَلما منه وأَشد حزنا، وما أَشبه ذلك مما هو من هذا النحو، أَعني من علامات التملق. ومما يُستحى منه قلة الصبر عند الوجع أَو الشدة، مثل ما يعرض للشيوخ الذين يتخيلون أَن بهم من ضعف الشيخوخة أَكثر مما بهم، ومثل ما يعرض للمترفين وذوي السلطان الذين يجزعون لمكان سلطانهم من أَدنى شيء يصيبهم، إِذ كانوا يرون أَنه لا ينالهم مكروه. وكذلك مَن سوى هؤلاءِ ممن هو أَضعف منهم، أَعني ممن يخيل إِليه في الضعف اليسير الذي به أَن به ضعفا عظيما. فإِن هذه الأَحوال كلها مذمومة وهي من علامات الخور والمهانة. ومما يستحي منه أَن يكون المرء يعير ويلوم من سواه بحسن الانفعال أَو الفعل، مثل أَن يلومه على فعل السخاءِ أَو عن المحاماة عن أَصدقائه أَو على الإِشفاق والرحمة. ومن ذلك أَن يمدح المرءُ نفسه أَو أَن يعد منها بأَشياء جميلة، أَو ينسب إِلى نفسه أَفعال غيره. فإِن هذه كلها من علامات المخرقة.
قال: ومن هذه الأَخلاق المذمومة التي ذكرناها يستدل على ما لم يذكر منها لأَن لكل واحد من الشرور ومساوئ الأَخلاق أَفعالا وعلامات تدل عليه.
1 / 68