قال: والذين يمدحون قد يحبون الممدوحين لأَنهم يتوقعون منهم أَن يشاركوهم في الخيرات التي عندهم لمكان مدحهم إِياهم. وأَما المادحون فمحبوبون عند الممدوحين، وإِن كان المدح بأَشياء لا يأْمن الممدوح أَلا تكون فيه وأَن تكون كذبا. والذين ينظفون لباسهم وأَزياءهم طول أَعمارهم محبوبون، لأَنهم يرون أَنهم مُكرمون للناس بتلك النظافة وغير مؤذين لهم بالمناظر القبيحة. والذين لا يعيرون بالذنوب ولا يعاتبون على الجنايات، فإِن الذين يفعلون ذلك موبخون، والموبخون مبغضون؛ وأَعني بالذنوب الإِساءات التي تكون بين الله وبيْن العبد، وبالجنايات الإِساءات التي تكون بين إِنسان وإِنسان. والذين لا يصرون على الضغن ولا يقيمُون على العذل واللجاج، لكنهم يرضون سريعا ويزول غضبهم، محبوبون، وذلك أَنه يظن بهم أَنه كما أَنهم بهذه الحال للناس، كذلك هم لأَصدقائهم، بل هم أَحرى بذلك. والذين لا ينطقون بالشر ولا يعرفون شرور أَقاربهم وجيرانهم وذوي معارفهم لأَنهم أَخيار ليس عندهم شر محبوبون. والذين لا يشغبون على الذين يغضبون عليهم أَو يجدون عليهم في أَنفسهم ويحقدون محبوبون، فإِن الذين هم بخلاف ذلك صخابون. والذين يتعجبون من غيرهم بالنوع الذي يتعجبون به من أَنفسهم محبوبون، لأَنهم ليس يظن بهم أَنهم يراؤون بذلك التعجب، إِذ كان ليس أَحد يتعجب من نفسه إِلا بشيءٍ هو عنده بالحقيقة فضيلة ومتعجب منه. والذين يفرحون بالمرءِ وبما عنده محبون عند الذي يفرح به، ولا سيما إِذا كان الفرح عن انفعال بيّن، لأَنه يظن به أَنه أَحرى أَن يكون ذلك الفرح ثابتا وأَنه لا يرائي بذلك الفرح. والمكرِمون محبوبون عند الذين يكرمونهم. والمكرَمون محبوبون عند المكرِمين لهم. والذين يحب المرءُ أَن يحسدوه حسدًا لا يَبلغ بهم الاغتيال له والسعاية عليه محبوبون، لأَنه ليس يهوى المرءُ هذا من أَحد إِلا وهو يهوى أَن يقف ذلك المرءُ على فضائله. وإِنما يهوى ذلك منه إِذا كان عنده أَهلا لذلك. فلذلك من كان بهذه الصفة عندك فإِما أَن تكون صديقه أَو تهوى أَن تكون صديقه، لأَنه إِذا كنت صديقه كان أَحرى أَن يقف على الفضائل التي فيك. والذين يفعلون الخيرات محبوبون عند المفعول بهم الخير إِن لم يتبعوا الخير بشر هو أَعظم وأَفظع، مثل الامتنان الكثير والاستخدام الشاق. والذين يحبون الأَقارب والأَباعد الأَحياء منهم والأَموات، أَعني ممن هو قريب أَو صميم أَو من المعارف. فإِن الأَموات لا يحبون إِلا بشرطين: أَحدهما أَن يكون موتهم قريب العَهْد، والثاني أَن يكونوا أَقرباء أَو معروفين. فكل أَحد يحبهم لمكان صدق محبتهم، لأَنه إِذا أَحب الأَجنبي فهو أَحرى أَن يحب القريب. وإِذا أَحب الميت فهو أَحرى أَن يحب الحي. ولذلك كان بالجملة الذين يحبون أَصدقاءهم جدا جدا ولا يخذلونهم محبوبون، فإِن هؤلاءِ الصنف من الناس هم خيار، والإِنسان يحب الخيار الذين ليسوا بأَصدقاء، فكيف الخيار الأَصدقاء. والذين ليس ودهم رياء ولا تصنعا مودودون. والذين يخبرهم المرء بمساوئه ولا يستحي عندهم من ذكرها هم أَصدقاء له، لأَن الصديق هو الذي لا يستحي عنده من ترك الأَشياءِ التي يفعلها المرءُ لمكان الحمد والمرءُ القليل الحياءِ يود المرء القليل الحياءِ، لأَنه لا يخافه ويثق به. وقد يحب المرءُ المرءَ الذي لا يخافه ويثق به ويأْمنه؛ لأَنه ليس يحب أَحد الذي يخافه.
قال: فأَما أَنواع أَفعال الصداقة فهي الصحبة والأنس والوصلة وما أَشبه ذلك النحو مما يفعله الأَصدقاءُ بعضهم ببعض. وأَما الفاعلات للصداقة فالأَيادي والمنن، وأَن يفعل المرءُ بالمرء الخير حين لا يحتاج إِليه، أَعني إِلى المرءِ. وإِذا فعل الخير لم يخبر بذلك، وأَن يبين أَنه إِنما فعل ذلك لمكان المفعول به لا لمكان شيء آخر.
فهذا جملة ما قاله في المحبة.
قال: وأَما العداوة والبغضاءُ فقد ينبغي أَن تؤخذ فيها هذه الأَشياء الثلاثة من الأُمور المضادة لهذه وهي معلومة بعلم هذه التي ذكرناها. وأَما فاعلات العداوة فهي فعل ما يغيظ الإِنسان، والعبث، والنميمة؛ وأَعني بالعبث الازدراء بالجملة، وأَعني بالنميمة السعاية الخبيثة بين نفسين.
1 / 63