قال: والذين يظن بهم أَنهم يهمون بالإِحسان محبوبون. وصديق الصديق محبوب وكذلك الذين يحبون المحبوبين محبوبون. وكذلك الذين يحبهم المحبوبون والذين يعادون ويبغضون مَنْ يبغض المرءَ محبوب أَيضا عنده. وكذلك الذين يبغضهم المبغضون للمرءِ هم أَيضا محبوبون عنده. وجميع هؤلاءِ، أَعني المحبوبين، يرون أَنهم أَصدقاءُ، لأَنهم يرون أَن الخيرات التي لأُولئك هي لهم ولذلك يهوون أَن تكون الخيرات التي لهم هي أَيضا لأَصدقائهم، كما هي لهم من قبل أَصدقائهم، أَعني الذين كانوا يحسنون إِليهم ويكرمونهم. ولمكان هذا يكرم الأَسخياء والشجعان، أَعني لمكان ما يرى الناس أَنه يصل إِليهم من المنفعة بهم. والخيرات التي تصل إِليهم من الناس هي الكرامة. والفضلاءُ الأَبرار هم الذين يُسْدون إِلى كل أَحد من الخير بحسب ما يقدرون عليه بحسب حال حال من أَحوالهم وأَقل أَحوالهم أَنهم لا يكلفون أَحدًا شيئا وهؤلاء، كما يقول أَرسطو، إِنما يكونون بهذه الحال إِذا كانوا لا يعيشون من أَصحابهم، يعني أَنه لا يكون عيشهم من مواساة أَصحابهم لهم، بل يكون معاشهم من استعمالهم أَنفسهم وكدهم أَبدانهم. والأَفضل من هؤلاءِ مَنْ كان معاشهم من شيءٍ شريف، مثل المعاش الذين يكون من الحرب التي تكون على طريق السنة، لا من أُمور سوقية، أَو يكون معاشهم من الصيد أَو من الرعاية، وبالجملة: يكون معاشهم من وجه لا يحتاجون فيه لأَهل المدينة من غير أَن يلحقهم بذلك شين. فهذا الصنف من الناس قد يظن بهم أَكثر من غيرهم أَنهم أَعفاء غير ظلامين سليمة صدورهم. والذين يفوض إِليهم أَن تفعل بهم الأَفعال التي تفعل بالأَصدقاءِ إِن اختاروا ذلك هم أَيضا محبوبون. وهؤلاءِ هم الأَخيار ذوو الفضائل. فإِن هؤلاءِ يرون مكتفين بأَنفسهم وبأَحوالهم عن الأَشياءِ التي من خارج. ولذلك متى أَراد إِنسان أَن يفعل بهم فعل الصديق بصديقه من إِيصال الخير إِليه خيّرهم في ذلك. والسعداء المنجحون إِما في كل الخيرات، أَعني النفسانية والبدنية والتي من خارج، وإِما في الخيرات التي هي منها فضائل فقط، وإِما في الأَشياءِ التي يتعجب من نيلها إِما بإِطلاق وإِما بالإِضافة لأُولئك الذين نالوها، محبوبون أَيضا.
قال: والطيبو النفوس والذين عشرتهم وملازمتهم النهار كله لمكان الالتذاذ بهم من غير أَن يمل حديثهم فإِن جميع هؤلاءِ محبوبون لأَن أَخلاقهم جميلة سهلة وليسوا موبخين على الخطإِ والإِساءة ولا يشغبون ولا يتعسرون ولا يحرشون ولا يستثيرون لفعل الشر إِذا أُثيروا ولذلك كان جميع من اجتمعت فيه هذه الصفات المذمومة صخابين، أَعني المستعلين على الإِنسان برفع الصوت عند المخاطبة وبالحرد، فالصخابون هم أَضداد أُولئك. وكذلك الجفاة من الناس القادرون على ضربهم بقوة أَبدانهم أَو الصابرون على ما ينالهم من المكروه أَو الذين جمعوا الأَمرين مسارعون إِلى الصخب وإِلى عذل أَقاربهم وجيرانهم وأَصدقائهم. وذلك إِما - إِذا أَمكنهم - أَن يعذلوهم، وإِما إِذا أَوهموا أَن عذلهم هو من جهة الشفقة.
1 / 62