فإن قيل: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الماء لا ينجس ولا ينجسه شيء ))، يحجكم، وليس لكم أن تقصروه على ما ورد فيه؛ لأن من مذهبكم أن اللفظ إذا ورد في سبب، لم يقصر عليه، بل يكون(1) عاما؟
قيل له: نحن نجعل ذكر السبب الذي وردت هذه الظواهر فيه ترجيحا، لظواهرنا التي تعلقنا بها، فنجعلها أولى من الظواهر التي تعلقوا بها.
فإن قيل: ليس لكم أن ترجحوا بالذكر، والخبر يعم النجس وغيره.
قيل له: ذلك غير واجب، وذلك أن اللبن لا ينجس ما ماسه من العضو وغيره، فلهذا جاز استعمال الماء الذي يقع فيه يسير من المخلل، وليس كذلك النجس، فوجب الفرق بينهما لذلك.
المسألة الثانية [ في الماء إذا شابه طاهر ]
إذا وقع في الماء طاهر كاللبن والمرق ونحوهما، حتى يتغير لذلك لونه أو طعمه أو ريحه، لم يجز التطهر به، والذي(2) خالفنا في هذه أبو حنيفة وأصحابه، فإنهم يذهبون إلى أن الماء إذا كان هو الغالب فإنه يجوز التطهر به، وإن تغير.
فالوجه لصحة ما ذهبنا(3) إليه، أنه لا خلاف في أنه لا يجوز التطهر بماء الباقلاء والمرق ونبيذ الزبيب ونحو ذلك، وكانت العلة فيه أنه ماء تغير بمخالطة(4) مالا يجوز التطهر به على وجه من الوجوه، فكذلك الماء الذي تغير لونه أو طعمه أو ريحه، لمخالطة اللبن ونحوه. ويبين صحة هذه العلة وجود الحكم بوجودها، وعدمه بعدمها، وذلك أن الماء لو لم يتغير بما خالطة من الطاهر؛ لجاز التطهر به، وكذلك إذا تغير بما يجوز التطهر به على بعض الوجوه، وهو الطين جاز التطهر به، وإذا حصل له الوصفان، لم يجز التطهر به، فعلم أنها علة الحكم.
صفحه ۱۱