============================================================
تقديم : بقلم الدكتور طه حسين (ب) كثير منهم محسوب عليهم ، ولأن جهد كثير منهم لا يثبت لما تحتاج إليه القراءة فى هذا الكتاب من الأناة والصبر وفراغ البال.
وقد ألف كتاب الأغانى فى القرن الرابع لقوم لم يكن مقترا عليهم فى الوقت ولا فى الجهد ولا فى الفراغ، لم تكثر حاجاتهم، ولم يشتد اضطرابهم فيها، ولم تعجلهم المنافع والضرورات عن الفراغ للعلم والجد فى سبيل المعرفة .
وأين تكون حياة الذين كانوا يعيشون فى العالم العربى منذ ألف سنة من حياتنا فى هذه الأيام !وأين يكون استقرارهم من اضطرابنا ! وهدوؤهم من قلقنا !
وفراغهم من امتسلاء أوقاتنا 1 وقد ألف الكتاب كذلك لقوم لم يكن طول الكتب يزعجهم ، ولم يكن ترديد الأخبار والأنباء يملهم ، ولم يكونوا يكرهون الاستقصاء كما يكرهه المعاصرون، ولم يكونوا يطمثنون إلى الأحاديث التى تساق اليهم غير مسندة إلى أصحابها، ولا مردودة إلى أصولها ومصادرها، ولم يكونوا يجبون شيئا كما كانوا يجبون أخذ العلم بالسماع عن رواته والمتخصصين فيه .
فكانت تسمية الرواة على كثرتهم تغريهم وتحبب إليهم ما يقرمون ، وكانوا يعرفون الغناء العربى القديم والموسيقي العربية القديمة ويحققون معانيها وأسماءها فى نفوسهم. فلم يكونوا يشتوحشون إذا ذكرت لهم أسماء الألحان وعرضت عليهم وقائعها.:: ومن أجل ذلك كله آثروا كتاب الأغانى وكلفوا به وتنافسوا فيه ورأوه صرحا منيفا من صروح الأدب العربى قد جمع لهم جمعا متقنا، فوفر عليهم كثيرا من الجهد فى طلب العلم ، ويسر لهم تحصيله وهم قارون وادعون. ثم لم تلبث ظروف الحياة أن تغيرت، وإذا ملك من ملوك الأيوبيين يذكر هذا الكتاب فيشكو من طوله وكثرة أسانيده وكثرة أسماء الأصوات والألحان فيه ، وكثرة ما فيه من التكرار
صفحه ۵