لِابْنِهِ: يَا بني إياك والنبيذ، فَإِنَّهُ مفْسدَة لِلْمَالِ وَالدّين. وَقيل لبَعْضهِم: النَّبِيذ كيمياء الطَّرب. فَقَالَ: نعم، وَلكنه إكسير الْحَرْب. وذمه بعض الْحُكَمَاء فَقَالَ: من مثالبه أَن صَاحبه يُنكره قبل شربه، وَيَعْبَسَ عِنْد شمه، ويستنقص الساقي من قدره ويمزجه بِالْمَاءِ الَّذِي هُوَ ضِدّه، ليخرجه عَن مَعْنَاهُ وَحده، ثمَّ يكرع فِيهِ على الْمُبَادرَة، ويعبه وَلَا يمصه، ويجرعه وَلَا يكَاد يسيغه، ليقلّ مكثه فِي فَمه، ويسرع فِي اللهوات اجتيازه، ثمَّ لَا يَسْتَوْفِيه كُله، وَيرى أَن يبقي فضلَة فِي كأسه، ويشاح الساقي فِي المناظرة على مَا بَقِي مِنْهُ عِنْد رده، ليصرف عَن نَفسه عَادِية شَره، وَيسلم من مَكْرُوه عاقبته، ويتنقل بعقبه مَا يكسر من سورته، ويخفف من بشاعته، وَيمْنَع من قذفه، كَمَا يفعل بطبيخ الغاريقون، وَحب الأصطمخيقون.
تقبيح الْغناء وَالسَّمَاع
قَالَ الحطيئة لقوم نزلُوا بِهِ: جنبوني يَا بني فلَان الْغناء، فَإِنَّهُ رقية الزِّنَا. وَسمع سُلَيْمَان بن عبد الْملك ذَات لَيْلَة فِي مُعَسْكَره غناء، فَأمر بِصَاحِبِهِ أَن يخصى، ثمَّ قَالَ: إِن الْفرس ليصهل فتستودق لَهُ الرمكة، وَإِن الْجمل ليرغو فتستبضع لَهُ النَّاقة، وَإِن الرجل ليغني، فتغتلم لَهُ الْمَرْأَة. وَكَانَ الْكِنْدِيّ يَقُول لِابْنِهِ: يَا بني إياك وَالسَّمَاع، فَإِنَّهُ برسام حاد، وَذَلِكَ أَن الْمَرْء يسمع فيطرب، ويطرب فيسمح، ويسمح فيعطي، ويعطس فيفتقر، فيفتقر فيهتم، ويهتم فيمرض، ويمرض فَيَمُوت. وللبديع الْهَمدَانِي من رقْعَة إِلَى تلميذ لَهُ توفّي أَبوهُ، وَخلف مَالا: يَا مولَايَ ذَلِك المسموع من الْعود يُسَمِّيه الْجَاهِل نقرًا، ويسميه الْعَاقِل فقرا، وَذَلِكَ الْخَارِج من الناي هُوَ الْيَوْم فِي الآذان زمر، وَهُوَ غَدا فِي الْأَبْوَاب سمر. وَطلب بعض المغنين مَاله من بعض المبخلين فَقَالَ لَهُ الْمَسْئُول: إعلم أَن المَال روح، والغناء ريح، وَلست أَشْتَرِي الرّيح بِالروحِ.
تقبيح الْهَدِيَّة
أهدي إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز ﵁ هَدِيَّة، فَردهَا، فَقيل لَهُ: إِن النَّبِي ﷺ، كَانَ يقبل الْهَدِيَّة. فَقَالَ: قد كَانَت الْهَدِيَّة لَهُ هَدِيَّة، وَهِي لنا رشوة، وَقد لعن الله الراشي والمرتشي. وَقَالَ بعض السّلف: الْهَدِيَّة فِي عمل السُّلْطَان رشوة. وأهدي إِلَى
1 / 71