وتنقص البنية. وَهُوَ، بعد، من طيب الْأَمْوَات، أحياك الله أطول الْحَيَاة. ثمَّ اسْم الكافور يجانس اسْم الْكفْر، وَقد برأك الله مِنْهُ، ونزهك عَنهُ. أما مَاء الْورْد فَخير مِنْهُ المَاء القراح العذب الزلَال. أَلا ترى أَن الطَّهَارَة لَا تجزي بِهِ، وَهِي تجزى بِمَاء الْآبَار والسواقي والأنهار، ثمَّ لَا يروي الظمآن، وَلَا يبرد غلَّة العطشان، وطالما رش على الْمَقَابِر، وصب على الأكفان. وَأما البخور فمما لَا يرغب فِيهِ لذِي ظرف ومروءة ولطف. وَقد ناسب لفظ البخور لفظ البخر، وَهُوَ أسود كريه المنظر، كَأَنَّهُ أَعْضَاء الزنج بثت، أَو جوارح الْحَبَشَة قطعت.
تقبيح الْقَمَر
ابلغ مَا قيل فِي ذَلِك وأجمعه وأبدعه قَول بعض ظرفاء الأدباء، مِمَّن سكن دور الْكِرَاء، وَقد قيل لَهُ: انْظُر إِلَى الْقَمَر مَا أحْسنه، فَقَالَ: وَالله، لَا أنظر إِلَيْهِ لبغضي لَهُ. قيل: لم؟ قَالَ: لِأَن فِيهِ عيوبًا، لَو كَانَت فِي حمارة لرد بِالْعَيْبِ. قيل: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: مَا يصدقهُ العيان، وَتشهد بِهِ الْآثَار. إِنَّه يهدم الْعُمر يقرب الْأَجَل، وَيحل الدّين، وَيُوجب كِرَاء الْمنزل، ويقرض الْكَتَّان، ويشحب الألوان، ويسخن المَاء، وَيفْسد اللَّحْم، ويعين السَّارِق، ويفضح العاشق والطارق. وتأذى بِهِ ابْن المعتز لَيْلَة من ليَالِي الصَّيف، فَقَالَ فِي تقبيحه، مثل مَا قَالَ ابْن الرُّومِي فِي تقبيح الْورْد: يَا سَارِق الْأَنْوَار من شمس الضُّحَى ... يَا مثكلي طيب الْكرَى، ومنغصي أما ضِيَاء الشَّمْس فِيك فناقص ... وَأرى زِيَادَة حرهَا لم تنقص لم يظفر التَّشْبِيه فِيك بطائل ... متسلحًا بهقًا كوجه الأبرص
تقبيح الشَّرَاب
عَاتب الضَّحَّاك بن مُزَاحم صديقا لَهُ على شرب النَّبِيذ، فَقَالَ: إِنَّمَا أشربه لِأَنَّهُ يهضم الطَّعَام. فَقَالَ: مَا يهضم من دينك أَكثر. وَقيل لبَعض الْحُكَمَاء: اشرب مَعنا النَّبِيذ، فَقَالَ: لَا أشْرب مَا يشرب عَقْلِي. وَقَالَ آخر
1 / 70