و لذا-في هذه العصور-حاولت بعض الدول قلب الاعتبار إلى الورق، و لكن مع الاعتماد عليهما.
و مهما يكن الأمر، فإن المال لما كانت حقيقته تقوم على الاعتبار، فكما اعتبروا الأجناس الخارجية مالا، فكذلك اعتبروا ذمة الرجل العاقل الرشيد مالا، و لكن مع الالتزام و التعهد.
فإذا التزم لك الثقة الأمين بمال في ذمته، و ثقت به و جعلته كمال في يدك أو صندوقك، و كذا العقلاء يعتبرون أن لك مالا عنده.
أما من لا عهدة له و لا ذمة كالسفيه و المجنون و الصغير، بل و السفلة من الناس الذين لا قيمة لأنفسهم عندهم الذي يعدك و يخلف و يحدثك فيكذب و يلتزم لك و لا يفي بالتزامه، فهؤلاء لا ذمة لهم و لا شرف، و التزامهم عند العقلاء هباء، و لا يتكون من التزامهم عند العرف مال.
فالمال إذا نوعان: خارجي عيني و هو النقود و العروض، و اعتباري فرضي و هو ما في الذمم، أعني: الالتزام و العهدة.
و الالتزام تأثيره لا ينحصر بالمال، بل يتمطى و يتسع حتى يحتضن جميع العقود، بل و كافة الإيقاعات.
ألا ترى أن البيع إذا صهره التمحيص لم تجد خلاصته إلا تعهدا و التزاما بأن يكون مالك للمشتري عوض ماله الذي التزم أنه لك؟فيترتب على هذا الالتزام مبادلة في المالين بانتقال مال كل واحد إلى الآخر، و يتحقق النقل و الانتقال كأثر لذلك الالتزام.
صفحه نامشخص