وكذلك قوله: « أو لأجل مذهب » وكذلك أشار إلى أنه يكون التصحيح للرواية وإبطالها عن اجتهاد، حيث قال في الذب عن أبي حنيفة أيضا في الروض الباسم ( ص 154 ): المحمل الرابع: أن تكون رواية الإمام أبي حنيفة من قبيل تدوين ما بلغه من الحديث صحيحه وضعيفه، كما هو عادة كثير من مصنفي الحفاظ أهل السنن والمسانيد. وغرضهم بذلك حفظ الحديث للأمة، لينظر في توابعه وشواهده، فإن صح منه شيء عمل به، وإن بطل شيء حذر من العمل به، وإن احتمل الخلاف كان للناظر من العلماء أن يعمل فيه باجتهاده....
قلنا: وكذلك أكثر كتب الحديث، وإن التزم مصنفوها الصحة، فللناظر من العلماء أن يعمل فيها باجتهاده، لأن أكثرها أو الكثير من حديثها محتمل الخلاف بواسطة الخلاف في رجال السند، والخلاف في وجوه الترجيح، وإن كانت مما ادعي الإجماع على صحته، فهذه الدعوى ليست مستندة إلى ما يعلمه المدعي بالضرورة، لأن مدعي الإجماع لم يسمع كل واحد من الأمة يصحح ذلك. ولا يخفى هذا على منصف، بل هذه الدعوى مبنية على نظر واستدلال يمكن معارضته بنظر واستدلال، فالاتباع في الدعوى هذه تقليد، لأنها مبنية على اجتهاد، لا مستندة إلى مشاهدة أمر محسوس. وقد مر كلام ابن الوزير في الذب عن أحمد بن حنبل، حيث قال ابن الوزير: « إن العدد الكثير قد يغلطون... » فهو يصلح جوابا عليه في دعواه الاجماع على الصحيحين، استنادا إلى قول من يدعي الإجماع.
فالجواب: أن دعوى الإجماع لم تستند إلى مشاهدة أمر ضروري، فالمدعون يمكن غلطهم باستنادهم إلى قرائن ظنوا أنها تدل على الإجماع، وهي في الواقع غير صحيحة، فلا يلزم غيرهم قبول دعواهم ما لم يترجح عنده مثل ما ترجح عندهم، ويؤديه اجتهاده إلى مثل ما أداهم إليه اجتهادهم.
صفحه ۲۰