شئت، وأدع قول من شئت، ثم أخرج من قولهم على قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم، والشعبي، والحسن بن سيرين، وسعيد بن المسيب - فلي أن أجتهد كما اجتهدوا.
كان ﵀ يتشدد في الأخذ بالحديث، على طريقة مدرسة الرأي، فيتحرى عنه وعن سنده، لا يأخذ بالحديث إلا إذا كان متواترًا أو مشهورًا عمل به فقهاء الأمصار، وهذا يضطره إلى التوسع في القياس والاستحسان، وقد رأيت مما نسب إليه أنه كان يوازن بين ما يروى عن الصحابة في المسألة الواحدة من أحكام مختلفة، ويختار أعدلها وأقربها إلى الأصول العامة، ولا يأخذ برأي التابعي إلا إذا وافق اجتهاده، وعرف بالمهارة في فقه الحديث؛ فسرعان ما يفرع من الحديث ويستخرج الأحكام بعد أن تصح روايته، وقال الأعمش لما سمع أحكامًا فقهية خرَّجها أبو حنيفة مما رواه له من أحاديث: يا معشر الفقهاء، أنتم الأطباء ونحن الصيادلة.
خلقه ومريدوه:
كان ﵁ ورعًا تقيًا محبًا لأهل بيت رسول الله، كثير الصمت لا يتكلم إلا إذا سئل في مسألة فقهية فيتدفق علمه، تتلمذ عليه الكثير وأتى له الراغبون في فقه من كل جهة، برز منهم البعض فاصطفاهم وآخاهم، واستمروا معه يعاونونه في وضع المسائل والإجابة عنها، ولا يرى بأسًا في مناقشتهم لرأيه، ومعارضتهم له ومخالفته إن تبينوا أن الصواب في غير دليله؛ ولذا فهم بحق قد شاركوه في تأسيس المذهب وسأقدمهم لك.
القاضي أبو يوسف: هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد الأنصاري أحد أصحاب رسول الله ﵇ عربي الأصل، ولد سنة ١١٣ هـ بالكوفة.
محمد بن الشيباني: متفق على أنه من الموالي فهو شيباني، ولد سنة ١٣٢ هـ نشأ بـ"الكوفة"، ثم أقام بـ"بغداد"، أدرك الإمام أبا حنيفة، وتتلمذ عليه فترة قصيرة لوفاة الإمام ومحمد لم يتمم العشرين، ثم درس على أبي يوسف، ثم رحل إلى الحجاز، وحفظ الحديث، والتقى بالإمام مالك في المدينة، فدرس عليه الفقه والحديث، ومكث في المدينة في طلب العلم أكثر من ثلاث سنين؛ كما أخذ الفقه أيضًا عن الأوزاعي جمع كصاحبه من قبله بين مدرستي الرأي والحديث وعمل على التقريب بينهما، وقد كان ميسور الحال وفي بحبوحة من العيش.
ثانيًا: مذهب مالك:
مدرسة الحديث:
كانت المدينة المنورة مصدر الإشعاع العلمي فهي المقر الأصلي لأصحاب الرسول من الأنصار والمهاجرين، وبينا من قبل أنه من الطبيعي جدًا أن تكون المدينة المنورة هي مقر
1 / 43