وقال: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] فيستنبط منهما معًا أن أقل الحمل ستة أشهر، وقال أيضًا: إن الله رفع القلم عن المجنون.
وقد وقعت اجتهادات كثيرة لأولي الرأي وأصحاب العقل السليم من خيرة الصحابة؛ كابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت. واجتهاداتهم كثيرة ومتنوعة وهي مبسوطة في كتب الفقه لمن أرادها.
المرحَلَةُ الثَّانيةِ من
هذا العَهْد الثَّاني
وتبدأ هذه المرحلة من وقت ظهور المذاهب الفقهية وتدوين الفقه إلى آخر القرن الرابع، ممتدة إلى وقتنا هذا.
وفي هذه المرحلة نضج الفقه الإسلامي واتضحت معالمه، واتسع باب الاجتهاد المطلق والاستنباط، ونشطت الروح المعنوية للتشريع الإسلامي. ولقد كان هذا التطور والنضج مرتبطًا برقي الحياة السياسية واتساع الدولة الإسلامية في ذلك العصر، أي في عصر الدولة العباسية إبَّان تقدمها وزهوها، كما اجتمع مع ذلك السبب سببان آخران هما:
١ - اعتناق كثير من الأمم المختلفة والديانات الأخرى، كاليهود، والنصارى، ومجوس فارس، والروم، والهند - الإسلام لسماحته وسهولة مبادئه وتعاليمه، وقد وحد الإسلام بين هذا الشتات وجمع كلمته وشمله.
٢ - اهتمام الخلفاء والأمراء برجال العلم والفقه؛ فقربوهم في مجالسهم، وأفسحوا لهم، وأغدقوا عليهم العطايا؛ مما نتج عنه ظهور الحوار والبحث الجدّي العميق، ونشأت حركة علمية واسعة في جميع الفروع عامة وفي الفقه أو التشريع خاصة، ودونت أحكام السنة وأصبحت علمًا مستقلًا بأصوله وأبحاثه.
وفي هذا الوقت أيضًا وضع "علم أصول الفقه"، وصنفت المؤلفات العلمية واتسع النزاع العلمي بين أهل الرأي وأهل الحديث، وتكونت المذاهب الأربعة: مذهب أبي حنيفة في الكوفة، ومذهب مالك في المدينة، ومذهب الشافعي، ومذهب أحمد.
كذلك ظهرت مذاهب أخرى في هذا العصر، وهي أقل شهرة وذيوعًا من المذاهب الأربعة المشهورة، وهذه المذاهب الأخرى مثل مذهب الأوزاعي، وسفيان الثوري، وداود الظاهري، وابن جرير الطبري.
ولما انتصف القرن الرابع وبدأت عوامل الضعف تتسلل إلى أركان الدولة العباسية -
1 / 31