٣ - امتزج الفقه بالقضاء في هذه المرحلة أيما امتزاج؛ وآية ذلك أن القاضي كان من المجتهدين فيما يعرض له من الوقائع التي لا نص فيها، فتأثر الفقه والتشريع بقضائه؛ كما وجد الفقيه المستقل بالإفتاء، وقد تأثر القضاء بفقهه وفتواه، فكان من الصعب تميز الفقه "التشريع" عن القضاء في ذلك العهد؛ إذ كان الفقيه قاضيًا، والقاضي فقيهًا.
مَصَادرُ التَّشْريع الإسْلاَمِيّ
في هذه المرحلةِ
كانت مصادر الشريعة في عهد الرسول ﷺ كما علمنا الكتاب والسُّنة، وفي هذه المرحلة زاد مصدران آخران وهما: الإجماع، والقياس، وبدخول هذين المصدرين تكفل لأحكام الشريعة الإسلامية المرونة والخصوبة على مر الزمن.
وسوف نتكلم ها هنا عن هذين المصدرين اللذين استجدا في هذه الفترة، وهما: الإجماع والقياس، أما المصدران الآخران، أعني: القرآن والسنة، فقد سبق تفصيل القول عنهما في الكلام عن المرحلة السابقة.
أولًا: الإجماع:
وجد الإجماع منذ أن وجدت فكرة تنظيم الرأي من طريق الاستشارة؛ إذ كان الخلفاء والقضاة يستشيرون أهل الفقه، فإذا اجتمع رؤوس الناس وأئمتهم على أمر، قضوا به، وقد كان الإجماع مقصورًا على الصحابة، ثم امتد إلى التابعين، ثم صار أخيرًا يطلق عليها إجماع المجتهدين من أمة محمد ﷺ.
ودليل الإجماع قول النبي ﷺ: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".
ثانيًا: القياس:
وهو يتضمن الرأي والاجتهاد، وقد أقر الرسول الكريم الرأي والعاملين به عند الحاجة، وقد استدللنا سابقًا بحديث معاذ بن جبل ﵁؛ كذلك أقر عمر الرأي في كتابه لشريح القاضي.
أما ما جرى من ذم الرأي وأهله فلم يكن القصد منه إلا أن يبعدوا عن ساحة الرأي من لم يتأهل له؛ حتى لا يجترئ الناس على الفتوى والقول في الدين بغير علم، فالرأي المذموم هو اتباع الهوى في الإفتاء من غير استناد إلى دليل أو أصل من الدين.
وينبغي أن تراعى في القياس الأمور الآتية:
١ - أخذ الحكم من ظواهر النصوص إذا كان محل الحادثة مما تتناوله تلك النصوص،
1 / 28