معنى هذا، أن القرآن الكريم لم ينزل على النبي ﷺ جملة واحدة، بل كان ينزل بحسب الوقائع والمناسبات، أو جوابًا لأسئلة واستفتاءات.
مثال على الحالة الأولى: قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢١] حيث نزلت في شأن "مرثد الغنوي" وقد بعثه الرسول ﷺ إلى "مكة" ليحمل من المستضعفين من المسلمين، فعرضت امرأة مشركة أن يبيت عندها، وكانت ذات جمال ومال، فأعرض عنها خوفًا من الله، ثم أرادت أن يتزوجها، فقبل على شرط أن يرجع بالأمر إلى النبي، فلما رجع إليه سأله أن يأذن له في التزوج بها فنزلت الآية.
مثال على الحالة الثانية:
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ [البقرة: ٢٢٠].
وقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢١٥].
وقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢].
وتلك الوقائع والاستفتاءات التي كان ينزل بحسبها القرآن هي ما يعرف بأسباب النزول، وللعلم بها أهمية كبرى في تفسير القرآن الكريم، ولتكون هذه الأسئلة والوقائع قرائن معنوية، يستعان بها على أن يفهم القرآن حق الفهم، وأن تعرف أسراره ولطائفه ومراميه أحسن معرفة.
وقد أفرد العلماء لأسباب النزول كتبًا ومصنفات كثيرة، كـ"أسباب النزول" للواحدي النيسابوري.
ما حِكْمَةُ نُزُولِ القُرْآن مُنَجَّمًا؟
قلنا فيما سبق: إن القرآن نزل منجمًا حسب الوقائع والمناسبات، وما زال كذلك حتى كملت الشريعة بتمام نزول القرآن، وقد ذكر العلماء الحكمة في نزوله منجمًا فيما يلي:
١ - ليقوي به قلب الرسول ﷺ فيعيه ويحفظه؛ يقول تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [الفرقان: ٣٢].
٢ - اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون في القرآن ما هو ناسخ، وما هو منسوخ، وهذا لا يتأتى إلا فيما ينزل مفرقًا.
1 / 19