فأما الذى هو ابتداء حياة هذا الحيوان، وما يخلص جنس الحيوان الكريم من الشك العظيم، كالذى نجد ذلك فيما تحويه السماء من الكواكب، وغير ذلك لأنه ليس خارج السماء شىء محسوس ينقاس شىء عليه، وكذلك فى الشمس وفى جميع الكواكب وذلك لأنها غير واقعة تحت الألم، والحس هو الألم وانفعال فى الحس. وليس للنبات حركة فى ذاته لأنه مربوط بالأرض، والأرض غير متحركة. بماذا نقيس الحياة؟ وبماذا نشبهها؟ ما نجد لها شيئا عاما. ولكن ينبغى لنا أن نقول إن العام للحياة هو الحس، لأن الحس هو المميز للحياة من الموت؛ وأما السماء، فلأن لها رئيسا أكرم وأجل من رئيسنا، فهى متباعدة عن هذه الأشياء. وينبغى أن يكون للحيوان الكامل والناقص أمر يعمهما، أعنى وجود الحياة وعدمها. وليس ينبغى لأحد أن يزوغ عن هذه الأشياء، لأنه ليس له متوسط بين المتنفس وغير المتنفس، ولا بين الحياة وعدمها؛ ولكن بين الحياة والمتنفس واسطة، لأن الغير متنفس هو ما لا نفس له ولا جزء من أجزائها. فأما النبات فليس هو بغير ذى نفس وذلك لأن فيه جزءا من أحزائها؛ ولا هو حيوان أيضا، لأنه ليس له حس، وهو منتقل من الحياة إلى عدمها قليلا قليلا، كالذى فى سائر الأشياء. ولنا أن نقول إن النبات متنفس على جهة أخرى. أو: لا نقول إنه غير متنفس إن كان ذا نفس؛ والحيوان هو ذو نفس كاملة، وأما النبات فهو شىء غير كامل؛ والحيوان محدود الأعضاء، وأما النبات فغير محدود الطبيعة، وللنبات طبيعة خاصية من أجل الحركة التى فى ذاته. ولقائل أن يقول إن له نفسا، لأن النفس هى المنشئة للحركات من الأماكن والشهوات، والشهوة والحركة فى الأماكن إنما تكون مع الحس. وأما اجتذاب الغذاء فيكون من المبدأ الطبيعى، وهذا عام للنبات والحيوان، وليس يكون مع اجتذاب الغذاء حس على كل حال، لأن كل مغتذ يستعمل فى غذائه شيئين وهما: الحرارة والبرودة، ولذلك احتاج الحيوان إلى غذاء رطب وغذاء يابس، لأن البرد موجود فى الغذاء اليابس؛ وذلك أن كل طبيعة من هاتين الطبيعتين غير مفارقة لصاحبتها ولذلك صار غذاء المغتذى دائما متصلا إلى وقت فساده، وينبغى أن نستعمل فى النبات نظير ذلك.
صفحه ۲۴۷