والواجب علينا أن نتكلم فى الأشياء الظاهرة، ثم نتكلم فى الأشياء الخفية فنقول: إن الشىء المغتذى له شهوة، وهو يجد اللذة عند الشبع والأذى عند الجوع، وهذه الحالات إنما تكون مع الحس. فقد صح أن رأى الذى زعم أن للنبات حسا وشهوة رأى عجيب. فأما أنكساغورس وهمفدوقلس وديمقراطيس فزعموا أن للنبات عقلا وفهما. إلا أنه ينبغى لنا أن نمسك عن هذه الأقاويل القبيحة ونبدأ بالقول الصحيح: ليس للنبات حس ولا شهوة، لأن الشهوة إنما تكون بالحس، ومنتهى إرادتها راجع إليه. ولسنا نجد للنبات حسا ولا عضوا حاسا، ولا متألما، ولا صورة محدودة، ولا إدراك شىء من الأشياء، ولا حركة ولا نهوض إلى المحسوس، ولا دليل يوجب له الحس كالدلائل التى أوجبت له الاغتذاء والنماء. وإنما يصح له بحق الاغتذاء والنماء، 〈والاغتذاء والنماء〉 جزء من أجزاء النفس. فان وجدنا للنبات دليلا أوجب له جزءا من أجزاء النفس وبطل عنه الحس فما ينبغى لنا أن نقول إن له حسا لأن الحس هو سبب صفاء الجبلة، وأما الغذاء فهو نمو حياة الحى وعيشته، لأن الغذاء رئيس العيش، فأما الحس فهو رئيس صفاء الحياة.
صفحه ۲۴۵