{ صم بكم عمي} أي هم صم، كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدوا عن الإصاخة (¬1) إلى الحق مسامعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم (¬2) ، جعلوا كأنما انقبت حشاعرهم (¬3) ؛ أو أنهم حينما لم يستعملوها فيما جعلت له، كأنهم عدموها فصارت كلا شيء، وكأنهم خلقوا (لعلة) بغير آذان وبغير ألسن وبغير أعين، وإن وجدت صورها بهم، لأن تلك الآلات أريدت (لعلة) لا لغيرها. وقدم ذكر الصم على البكم، لأن من لم يسمع الحق لتصاممه عنه لم يفهم معانيه، ومن لم يفهم معانيه لم يستطع أن ينطق به؛ وقدم ذكر البكم على العمي، لأن من لم يستطع أن ينطق بالحق لم يقدر أن يعمل به، وهذه الأحوال متلازمة لا ينفك بعضها من بعض، لأن من استمع علم، ومن علم عمل. {فهم لا يرجعون(18)} لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها، أو أراد أنهم متحيرون، بقوا خامدين [7] في مكاناتهم لا يبرحون، ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون.
{
¬__________
(¬1) - ... في الأصل: «الإضاحة»، وهو خطأ، والإصاخة الاستماع، قال في اللسان: «أصاخ له يصيخ إصاخة: استمع وأنصت لصوت... ويروى بالسين». ابن منظور: لسان العرب، ج3/498.
(¬2) - ... يمكن أن نقرأ: «بعيوبهم»، ورسم الكلمة في الأصل هكذا: «بعتوبهم»، وهو خطأ.
(¬3) - ... كذا في الأصل، ويبدو أن الناسخ متأكد مما كتبه فقد كتب حاء صغيرة تحت حرف الحاء من كلمة «حشاعرهم»، ولا معنى له، ولعل الصواب: «انتفت مشاعرهم»، بدليل ما يأتي من السياق.
صفحه ۲۳