تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرها
وأما لفظ الجلالة، فالله أصله الإله، حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، وإله من أله الرجل يأله بمعنى عبد، أو من أله الرجل أو وله الرجل أي تحير، فهو فعال بكسر الفاء بمعنى المفعول ككتاب بمعنى المكتوب سمي إلها لأنه معبود أو لأنه مما تحيرت في ذاته العقول، والظاهر أنه علم بالغلبة، وقد كان مستعملا دائرا في الألسن قبل نزول القرآن يعرفه العرب الجاهلي كما يشعر به قوله تعالى: "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله": الزخرف - 87.
وقوله تعالى: "فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا": الأنعام - 136.
ومما يدل على كونه علما أنه يوصف بجميع الأسماء الحسنى وسائر أفعاله المأخوذة من تلك الأسماء من غير عكس، فيقال: الله الرحمن الرحيم ويقال: رحم الله وعلم الله، ورزق الله، ولا يقع لفظ الجلالة صفة لشيء منها ولا يؤخذ منه ما يوصف به شيء منها.
ولما كان وجوده سبحانه، وهو إله كل شيء يهدي إلى اتصافه بجميع الصفات الكمالية كانت الجميع مدلولا عليها به بالالتزام، وصح ما قيل إن لفظ الجلالة اسم للذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال وإلا فهو علم بالغلبة لم تعمل فيه عناية غير ما يدل عليه مادة أله.
وأما الوصفان: الرحمن الرحيم، فهما من الرحمة، وهي وصف انفعالي وتأثر خاص يلم بالقلب عند مشاهدة من يفقد أو يحتاج إلى ما يتم به أمره فيبعث الإنسان إلى تتميم نقصه ورفع حاجته، إلا أن هذا المعنى يرجع بحسب التحليل إلى الإعطاء والإفاضة لرفع الحاجة وبهذا المعنى يتصف سبحانه بالرحمة.
والرحمن، فعلان صيغة مبالغة تدل على الكثرة، والرحيم فعيل صفة مشبهة تدل على الثبات والبقاء ولذلك ناسب الرحمن أن يدل على الرحمة الكثيرة المفاضة على المؤمن والكافر وهو الرحمة العامة، وعلى هذا المعنى يستعمل كثيرا في القرآن، قال تعالى: "الرحمن على العرش استوى": طه - 5.
وقال: "قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا": مريم - 75.
إلى غير ذلك، ولذلك أيضا ناسب الرحيم أن يدل على النعمة الدائمة والرحمة الثابتة الباقية التي تفاض على المؤمن كما قال تعالى: "وكان بالمؤمنين رحيما": الأحزاب - 43.
وقال تعالى: "إنه بهم رءوف رحيم": التوبة - 117.
إلى غير ذلك، ولذلك قيل: إن الرحمن عام للمؤمن والكافر والرحيم خاص بالمؤمن.
وقوله تعالى: الحمد لله، الحمد على ما قيل هو الثناء على الجميل الاختياري والمدح أعم منه، يقال: حمدت فلانا أو مدحته لكرمه، ويقال: مدحت اللؤلؤ على صفائه ولا يقال: حمدته على صفائه، واللام فيه للجنس أو الاستغراق والمال هاهنا واحد.
وذلك أن الله سبحانه يقول: "ذلكم الله ربكم خالق كل شيء": غافر - 62.
فأفاد أن كل ما هو شيء فهو مخلوق لله سبحانه، وقال: "الذي أحسن كل شيء خلقه": السجدة - 7.
فأثبت الحسن لكل شيء مخلوق من جهة أنه مخلوق له منسوب إليه، فالحسن يدور مدار الخلق وبالعكس، فلا خلق إلا وهو حسن جميل بإحسانه ولا حسن إلا وهو مخلوق له منسوب إليه، وقد قال تعالى: "هو الله الواحد القهار": الزمر - 4.
وقال: "وعنت الوجوه للحي القيوم": طه - 111.
فأنبأ أنه لم يخلق ما خلق بقهر قاهر ولا يفعل ما فعل بإجبار من مجبر بل خلقه عن علم واختيار فما من شيء إلا وهو فعل جميل اختياري له فهذا من جهة الفعل، وأما من جهة الاسم فقد قال تعالى: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى": طه - 8.
وقال تعالى "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه": الأعراف - 180.
فهو تعالى جميل في أسمائه وجميل في أفعاله، وكل جميل منه.
فقد بان أنه تعالى محمود على جميل أسمائه ومحمود على جميل أفعاله، وأنه ما من حمد يحمده حامد لأمر محمود إلا كان لله سبحانه حقيقة لأن الجميل الذي يتعلق به الحمد منه سبحانه، فلله سبحانه جنس الحمد وله سبحانه كل حمد.
ثم إن الظاهر من السياق وبقرينة الالتفات الذي في قوله: "إياك نعبد" الآية أن السورة من كلام العبد، وأنه سبحانه في هذه السورة يلقن عبده حمد نفسه وما ينبغي أن يتأدب به العبد عند نصب نفسه في مقام العبودية، وهو الذي يؤيده قوله: "الحمد لله".
صفحه ۹