تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرها
2 سورة البقرة - 30 - 33
وإذ قال ربك للملئكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون (30) وعلم ءادم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملئكة فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صدقين (31) قالوا سبحنك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32) قال يئادم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموت والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (33)
بيان
الآيات تنبىء عن غرض إنزال الإنسان إلى الدنيا وحقيقة جعل الخلافة في الأرض وما هو آثارها وخواصها، وهي على خلاف سائر قصصه لم يقع في القرآن إلا في محل واحد وهو هذا المحل.
قوله تعالى: وإذ قال ربك إلخ، سيأتي الكلام في معنى القول منه تعالى وكذا القول من الملائكة والشيطان إن شاء الله.
قوله تعالى: "قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، إلى قوله. ونقدس لك.
مشعر بأنهم إنما فهموا وقوع الإفساد وسفك الدماء من قوله سبحانه. إني جاعل في الأرض خليفة، حيث إن الموجود الأرضي بما أنه مادي مركب من القوى الغضبية والشهوية، والدار دار التزاحم، محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، مركباتها في معرض الانحلال، وانتظاماتها وإصلاحاتها في مظنة الفساد ومصب البطلان، لا تتم الحياة فيها إلا بالحياة النوعية، ولا يكمل البقاء فيها إلا بالاجتماع والتعاون، فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء، ففهموا من هناك أن الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلا بكثرة من الأفراد ونظام اجتماعي بينهم يفضي بالآخرة إلى الفساد والسفك، و- الخلافة - وهي قيام شيء مقام آخر لا تتم إلا بكون الخليفة حاكيا للمستخلف في جميع شئونه الوجودية وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف، والله سبحانه في وجوده مسمى بالأسماء الحسنى متصف بالصفات العليا، من أوصاف الجمال والجلال، منزه في نفسه عن النقص ومقدس في فعله عن الشر والفساد جلت عظمته، والخليفة الأرضي بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف ولا يحكي بوجوده المشوب بكل نقص وشين الوجود الإلهي المقدس المنزه عن جميع النقائص وكل الأعدام، فأين التراب ورب الأرباب، وهذا الكلام من الملائكة في مقام تعرف ما جهلوه واستيضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخليفة، وليس من الاعتراض والخصومة في شيء، والدليل على ذلك قولهم فيما حكاه الله تعالى عنهم: إنك أنت العليم الحكيم حيث صدر الجملة بإن التعليلية المشعرة بتسلم مدخولها فافهم، فملخص قولهم يعود إلى أن جعل الخلافة إنما هو لأجل أن يحكي الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده وتقديسه له بوجوده، والأرضية لا تدعه يفعل ذلك بل تجره إلى الفساد والشر، والغاية من هذا الجعل وهي التسبيح والتقديس بالمعنى الذي مر من الحكاية حاصلة بتسبيحنا بحمدك وتقديسنا لك، فنحن خلفاؤك أو فاجعلنا خلفاء لك، فما فائدة جعل هذه الخلافة الأرضية لك؟ فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله: إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها.
وهذا السياق: يشعر أولا: بأن الخلافة المذكورة إنما كانت خلافة الله تعالى، لا خلافة نوع من الموجود الأرضي كانوا في الأرض قبل الإنسان وانقرضوا ثم أراد الله تعالى أن يخلفهم بالإنسان كما احتمله بعض المفسرين، وذلك لأن الجواب الذي أجاب سبحانه به عنهم وهو تعليم آدم الأسماء لا يناسب ذلك، وعلى هذا فالخلافة غير مقصورة على شخص آدم (عليه السلام) بل بنوه يشاركونه فيها من غير اختصاص، ويكون معنى تعليم الأسماء إيداع هذا العلم في الإنسان بحيث يظهر منه آثاره تدريجا دائما ولو اهتدى إلى السبيل أمكنه أن يخرجه من القوة إلى الفعل، ويؤيد عموم الخلافة قوله تعالى "إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح": الأعراف - 69، ووقوله تعالى "ثم جعلناكم خلائف في الأرض": يونس - 14، وقوله تعالى "ويجعلكم خلفاء الأرض": النمل - 62.
صفحه ۶۴