تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرها
ويشعر بهذا المعنى قوله تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات": المجادلة - 11، وكذا قوله تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه": الملائكة - 10، فالذي يصعد إليه تعالى هو الكلم الطيب وهو الاعتقاد والعلم، وأما العمل الصالح فشأنه رفع الكلم الطيب والأمداد دون الصعود إليه تعالى، وسيجيء تمام البيان في البحث عن الآية.
بحث روائي
في الكافي، عن الصادق (عليه السلام): في معنى العبادة قال: العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله خوفا، فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الأجراء، وقوم عبدوا الله عز وجل حبا، فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة.
وفي نهج البلاغة،: إن قوما عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.
وفي العلل، والمجالس، والخصال، عن الصادق (عليه السلام): إن الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفا من النار فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكني أعبده حبا له عز وجل فتلك عبادة الكرام، لقوله عز وجل: "وهم من فزع يومئذ آمنون". ولقوله عز وجل "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، فمن أحب الله عز وجل أحبه، ومن أحبه الله كان من الآمنين، وهذا مقام مكنون لا يمسه إلا المطهرون.
أقول: وقد تبين معنى الروايات مما مر من البيان، وتوصيفهم (عليهم السلام) عبادة الأحرار تارة بالشكر وتارة بالحب، لكون مرجعهما واحدا، فإن الشكر وضع الشيء المنعم به في محله، والعبادة شكرها أن تكون لله الذي يستحقها لذاته، فيعبد الله لأنه الله، أي لأنه مستجمع لجميع صفات الجمال والجلال بذاته، فهو الجميل بذاته المحبوب لذاته، فليس الحب إلا الميل إلى الجمال والانجذاب نحوه، فقولنا فيه تعالى هو معبود لأنه هو، وهو معبود لأنه جميل محبوب، وهو معبود لأنه منعم مشكور بالعبادة يرجع جميعها إلى معنى واحد.
وروي بطريق عامي عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: إياك نعبد الآية، يعني: لا نريد منك غيرك ولا نعبدك بالعوض والبدل: كما يعبدك الجاهلون بك المغيبون عنك.
أقول: والرواية تشير إلى ما تقدم، من استلزام معنى العبادة للحضور وللإخلاص الذي ينافي قصد البدل.
وفي تحف العقول، عن الصادق (عليه السلام) في حديث: ومن زعم أنه يعبد بالصفة لا بالإدراك فقد أحال على غائب، ومن زعم أنه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد لأن الصفة غير الموصوف، ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر بالكبير، وما قدروا الله حق قدره.
الحديث.
وفي المعاني، عن الصادق (عليه السلام): في معنى قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم يعني أرشدنا إلى لزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى جنتك، والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك وفي المعاني، أيضا عن علي (عليه السلام): في الآية، يعني، أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به في ماضي أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.
أقول: والروايتان وجهان مختلفان في الجواب عن شبهة لزوم تحصيل الحاصل من سؤال الهداية للمهدي، فالرواية الأولى ناظرة إلى اختلاف مراتب الهداية مصداقا والثانية إلى اتحادها مفهوما.
وفي المعاني، أيضا عن علي (عليه السلام): الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلو، وارتفع عن التقصير واستقام، وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة.
وفي المعاني، أيضا عن علي (عليه السلام): في معنى صراط الذين الآية: أي: قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك، لا بالمال والصحة، فإنهم قد يكونون كفارا أو فساقا، قال: وهم الذين قال الله: "ومن يطع الله والرسول - فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم - من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا".
صفحه ۱۹