تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرها
فالإنسان في بادىء أمره يحصل له من كل فعل يفعله هيئة نفسانية وحال من أحوال السعادة والشقاوة، ونعني بالسعادة ما هو خير له من حيث إنه إنسان، وبالشقاوة ما يقابل ذلك، ثم تصير تلك الأحوال بتكررها ملكة راسخة، ثم يتحصل منها صورة سعيدة أو شقية للنفس تكون مبدأ لهيئات وصور نفسانية، فإن كانت سعيدة فآثارها وجودية ملائمة للصورة الجديدة، وللنفس التي هي بمنزلة المادة القابلة لها، وإن كانت شقية فآثارها أمور عدمية ترجع بالتحليل إلى الفقدان والشر، فالنفس السعيدة تلتذ بآثارها بما هي إنسان، وتلتذ بها بما هي إنسان سعيد بالفعل، والنفس الشقية وإن كانت آثارها مستأنسة لها وملائمة بما أنها مبدأ لها لكنها تتألم بها بما أنها إنسان، هذا بالنسبة إلى النفوس الكاملة في جانب السعادة والشقاوة، أعني الإنسان السعيد ذاتا والصالح عملا والإنسان الشقي ذاتا والطالح عملا، وأما الناقصة في سعادتها وشقاوتها فالإنسان السعيد ذاتا الشقي فعلا بمعنى أن يكون ذاته ذات صورة سعيدة بالاعتقاد الحق الثابت غير أن في نفسه هيئات شقية ردية من الذنوب والآثام اكتسبتها حين تعلقها بالبدن الدنيوي وارتضاعها من ثدي الاختيار، فهي أمور قسرية غير ملائمة لذاته، وقد أقيم البرهان على أن القسر لا يدوم، فهذه النفس سترزق التطهر منها في برزخ أو قيمة على حسب قوة رسوخها في النفس، وكذلك الأمر فيما للنفس الشقية من الهيئات العارضة السعيدة فإنها ستسلب عنها وتزول سريعا أو بطيئا، وأما النفس التي لم تتم لها فعلية السعادة والشقاوة في الحياة الدنيا حتى فارقت البدن مستضعفة ناقصة فهي من المرجئين لأمر الله عز وجل، فهذا ما يقتضيه البراهين في المجازاة بالثواب والعقاب المقتضية لكونها من لوازم الأعمال ونتائجها، لوجوب رجوع الروابط الوضعية الاعتبارية بالآخرة إلى روابط حقيقية وجودية هذا.
ثم إن البراهين قائمة على أن الكمال الوجودي مختلف بحسب مراتب الكمال والنقص والشدة والضعف وهو التشكيك خاصة في النور المجرد فلهذه النفوس مراتب مختلفة في القرب والبعد من مبدإ الكمال ومنتهاه في سيرها الارتقائي وعودها إلى ما بدأت منها وهي بعضها فوق بعض، وهذه شأن العلل الفاعلية بمعنى ما به ووسائط الفيض، فلبعض النفوس وهي النفوس التامة الكاملة كنفوس الأنبياء (عليهم السلام) وخاصة من هو في أرقى درجات الكمال والفعلية وساطة في زوال الهيئات الشقية الردية القسرية من نفوس الضعفاء، ومن دونهم من السعداء إذا لزمتها قسرا، وهذه هي الشفاعة الخاصة بأصحاب الذنوب.
صفحه ۱۰۴