[2.65]
قوله عز وجل: { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت }؛ وذلك أنهم كانوا في زمن داود بأرض يقال لها: إيلية على ساحل البحر بين المدينة والشام، وكانت مسكن بني إسرائيل. وكان الله قد حرم عليهم صيد السمك يوم السبت، وكان إذا دخل يوم السبت لم يبق حوت إلا اجتمع هناك حتى يخرجن خراطيمهن من الماء لأمنها في ذلك اليوم. فإذا مضى يوم السبت تفرقن ولم يخرجن ولزمن لجة البحر، فذلك قوله تعالى:
إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم
[الأعراف: 163] فعمد رجال فحفروا حفيرة عشية الجمعة حيث يدخل السمك وساقوا إليها الماء من البحر، فأقبل الموج بالحيتان فحبسوا السمك فيها يوم السبت، وأخذوا منها ليلة الأحد ويوم الأحد، وقالوا: نحن لا نصطاد يوم السبت.
وكان في القرية نحوا من سبعين ألفا؛ فصنف منهم أمسك عن الاصطياد ونهى؛ وصنف أمسك ولم ينه؛ وصنف منهم انتهوا؛ وصنف منهم انتهكوا الحرمة. وكان الذين نهوا اثني عشر ألفا؛ فلما أبى المجرمون قبول نصحهم قال الناهون: والله لا ساكناكم في قرية واحدة، فقسموا القرية بجدار ولعنهم داود عليه السلام وغضب الله لإصرارهم على المعصية، فخرج الناهون ذات يوم من بابهم، والمجرمون لم يفتحوا بابهم ولا خرج منهم أحد؛ فلما أبطأوا تسوروا عليهم الحائط فإذا هم جميعا قردة. فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا. ولم يمكث ممسوخ مسخ فوق ثلاثة أيام، ولم يتوالدوا، فذلك قوله تعالى: { فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين }؛ أي صاغرين مطرودين بلغة كنانة، قاله مجاهد وقتادة والربيع.
وقال أبو روق: يعني (خرسا لا يتكلمون)، دليله قوله تعالى:
اخسئوا فيها ولا تكلمون
[المؤمنون: 108]. وقيل: مبعدون من كل خير، روي عن ابن مسعود: (أنهم لم يلدوا بعدما مسخوا) قال: (ولذلك الممسوخ لا يكون له نسل). وقيل: إنهم كانوا رجالا ونساء فمسخهم الله تعالى الذكر ذكر والأنثى أنثى؛ وكانوا يتعاوون، وكان تسيل دموعهم ولم يأكلوا ولم يشربوا، ثم أهلكهم الله تعالى. فجاءت ريح فهبت بهم وألقتهم في الماء، وما مسخ الله تعالى أمة إلا أهلكها.
[2.66]
قوله عز وجل: { فجعلناها نكالا }؛ أي القردة؛ وقيل: المسخة؛ وقيل: العقوبة؛ وقيل: القرية. وقوله تعالى: { نكالا } أي عقوبة وعبرة وفضيحة، { لما بين يديها وما خلفها }؛ أي عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لمن بعدهم. وقال قتادة: (معناه جعلنا تلك العقوبة جزاء لما تقدم من ذنوبهم قبل نهيهم عن الصيد؛ وما خلفها من العصيان بأخذ الحيتان بعد النهي). وقيل: لما بين يديها من عقوبة الآخرة؛ وما بعدها من فضيحة في دنياهم، فتذكرون بها إلى يوم القيامة. وقوله تعالى: { وموعظة للمتقين }؛ أي عظة وعبرة للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يتقون الشرك والكبائر والفواحش، فلا يفعلون مثل فعلهم.
صفحه نامشخص