284

تفسیر کبیر

التفسير الكبير

ژانرها

[2.259]

قوله عز وجل: { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها }؛ عطف هذه الآية على معنى الكلام الأول لا على اللفظ، كأنه قال: أرأيت كالذي

حآج إبراهيم في ربه

[البقررة: 258] { أو كالذي مر على قرية }.

قال ابن عباس: (نزلت هذه الآية في عزير بن شريحيا، وكان من علماء بني إسرائيل، سباه بختنصر من بيت المقدس إلى أرض بابل حين سلطه الله عليه فخرب بيت المقدس، فخرج عزير في أرض بابل ذات يوم على حمار، فمر بدير هرقل على شاطئ دجلة، فطاف بالقرية فلم ير بها ساكنا وعامة شجرها حامل، فجعل يتعجب من خراب القرية وموت أهلها وكثرة حملها وهي ساقطة على سقوفها. وذلك أن السقف يقع قبل الحيطان، ثم تقع الحيطان عليه، فأخذ شيئا من التين والعنب، وعصر العنب فشرب منه، ثم جعل فضل التين في سلة وفضل العنب في الأخرى وفضل العصير في الزق، ثم نظر إلى القرية ف { قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها }؛ أي كيف يحيي الله هذه القرية بعد خرابها وموت أهلها!؟

لم يكن هذا القول منه إنكارا للبعث، لكن أحب أن يرى كيف يحيي الله الموتى فيزداد بصيرة في إيمانه، فنام في ذلك الدير؛ { فأماته الله } في منامه؛ { مئة عام }؛ وأعمى عنه السباع والطير، ثم أحياه فنودي: يا عزير: { كم لبثت }؟ وكان أميت في صدر النهار، { ثم بعثه }؛ بعد مائة سنة في آخر النهار، فظن أن مقدار لبثه يوم، { قال كم لبثت }؟ ف { قال لبثت يوما } ، فلما نظر إلى الشمس قد بقي منها شيء، فقال: { أو بعض يوم }؛ فنودي؟. { قال بل لبثت مئة عام }؛ ميتا، { فانظر إلى طعامك } ، من التين والعنب، { وشرابك } ، العصير، { لم يتسنه }؛ أي لم يتغير طعمها بعد مائة عام ولم تغيرها السنون؛ فنظر فإذا بالعنب والتين كما شاهده وبالعصير طريا.

ثم قيل له: { وانظر إلى حمارك }؛ فنظر فإذا هو عظام بيض تلوح قد تفرقت أوصاله، فسمع صوتا: (أيتها العظام البالية إني جاعل فيكن روحا فاجتمعن) فارتهشت العظام وسعى بعضها إلى بعض، قال: فرأيت الصلب يسعى كل فقرة منها إلى صاحبتها، ثم رأيت الوركين يسعيان إلى مكانهما؛ والساقين إلى مكانهما؛ والعطفين إلى مكانهما، ثم رأيت كل الأضلاع يسعى كل واحد منهم إلى فقرته، ثم رأيت الكعبين سعيا إلى مكانهما؛ والذراعين إلى مكانهما، ثم رأيت العنق يسعى كل فقرة منه إلى صاحبتها، ثم جاء الرأس إلى مكانه، ثم رأيت العصب والعروق واللحم ألقي عليه، ثم بسط عليه الجلد، ثم دري عليه الشعر، ثم نفخ فيه الروح، فإذا هو قائم ينهق. فخر عزير ساجدا لله تعالى؛ وقال عند ذلك: { أعلم أن الله على كل شيء قدير }.

قال ذلك حين تبين له من كمال القدرة البلاء في حماره؛ والموت في نفسه؛ والبقاء في العنب والعصير اللذين هما من أسرع الأشياء فسادا أو تغيرا، ثم مشاهدة البعث بعد الموت.

قال ابن عباس: (وبعث وهو شاب ابن أربعين سنة على السن الذي أميت عليها، وكان ابنه في ذلك الوقت ابن عشرين سنة، فصار لابنه مائة وعشرون سنة، ولعزير أربعين سنة على السن التي أميت عليها، فذلك قوله تعالى: { ولنجعلك آية للناس }؛ ثم إنه رجع إلى بني إسرائيل وهو يقرأ التوراة كلها عن ظهر قلبه، فأملاها عليهم لم يخرم منها حرفا واحدا، وكانت التوراة قد ذهبت عنهم، فجاءهم رجل من بني إسرائيل فانتسب لهم فعرفوه، قال: أخبرني جدي أنه قال: دفنت التوراة يوم سبينا في خابئة كرمي، فأروه كرم جده فأخرج التوراة فعارضوها بما أملاها عزير فما اختلافا في حرف واحد، فتعجبوا من كثرة علمه وحداثة سنه، فقال بعضهم: عزير ابن الله).

وقال الحسن وقتادة والربيع: (إن القرية المذكورة في هذه الآية هي بيت المقدس بعدما خربه بختنصر). وكان وهب بن منبه يقول: (كان المار بهذه القرية أرميا النبي عليه السلام).

صفحه نامشخص