265

تفسیر کبیر

التفسير الكبير

ژانرها

قوله عز وجل: { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديرهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحيهم }؛ قال ابن عباس: (وذلك أن ملكا من ملوك بني إسرائيل أمر بالخروج إلى قتال عدوهم؛ فخرجوا للقتال ثم جبنوا وكرهوا القتال، فقالوا لملكهم: إن الأرض التي تريدها فيها الوباء فلا تأتها حتى ينقطع عنها الوباء، فقال لهم الله: موتوا).

واختلفوا في عددهم؛ فقال مقاتل والكلبي: (كانوا ثمانية آلاف). وقال أبو روق: (عشرة آلاف). وقال أبو مالك: (ثلاثون ألفا). وقال السدي: (بضعة وثلاثون ألفا). وقال ابن جريج: (أربعون ألفا) وقال عطاء بن أبي رباح: (تسعون ألفا). وقال الضحاك: (كانوا عددا كثيرا). فقوله تعالى: { ألوف } دليل على كثرتهم؛ إذ لو كانوا كما قال مقاتل والكلبي لقال: وهم آلاف؛ لأن من عشرة آلاف إلى ما دونها يقال فيها: آلاف، ولا يقال فيها: ألوف؛ لأن الألوف جمع الكثير. والآلاف جمع القليل.

فمكثوا موتى ثمانية أيام حتى انتفخوا وبلغ بني إسرائيل موت أصحابهم، فخرجوا إليهم ليدفنوهم، فعجزوا عنهم من كثرتهم، فحظروا عليهم الحظائر، ثم أحياهم الله تعالى بعد ثمانية أيام، فبقي فيهم من ريح النتن التي كانت فيهم بعد الموت حتى بقي في أولادهم إلى اليوم.

وقال السدي: (وقع الطاعون في بني إسرائيل، فخرج قوم منهم هاربين من ديارهم حتى انتهوا إلى مكان فماتوا وتفرقت عظامهم وتقطعت أوصالهم، فأتى عليهم مدة وقد بليت أجسادهم، فمر بهم نبي يقال له حزقيل ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام؛ لأنه كان بعد موسى يوشع بن نون، ثم كالب بن يوفنا، ثم حزقيل. وكان يقال له: ابن العجوز، وذلك أن أمه كانت عجوزا فسألت الله تعالى الولد وقد كبرت وعقمت، فوهبه الله تعالى لها؛ فلذلك سمي ابن العجوز).

وقال الحسن ومقاتل: (هو ذو الكفل، وإنما سمي حزقيل ذا الكفل؛ لأنه تكفل بسبعين نبيا وأنجاهم من القتل، فقال لهم: اذهبوا فإني إن قتلت كان خيرا من أن تقتلوا جميعا، فلما جاء اليهود وسألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين، فقال لهم: ذهبوا ولم أدر أين هم. وحفظ الله ذا الكفل من اليهود. فلما مر حزقيل على أولئك الموتى وقف عليهم وجعل يفكر فيهم متعجبا، فقال : الحمد لله القادر على أن يحيي هذه الأجساد، فأوحى الله إليه: يا حزقيل، أتريد أن أريك كيف أحيي الموتى؟ قال نعم، فقال: له: نادهم، فنادى: أيها العظام، ثم قال: ألا أيتها الأجساد البالية، إن الله يأمركن أن تكتسين لحما، فجعل اللحم يجري عليهن حتى صرن أجسادا من اللحوم، ثم قال: ألا أيتها الأجساد البالية الخاوية، إن الله يأمركن أن تقمن بإذن الله، فقاموا.

فرجعوا إلى بلادهم وأقاموا وتوالدوا، وكان أحدهم إذا اكتسى ثوبا صار عليه كفنا يكون فيه ريح الموت).

وقال وهب: (أصابهم بلاء وشدة من الزمان، فشكوا ما أصابهم فقالوا: يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه. فأوحى الله تعالى إلى حزقيل: إن قومك قد صاحوا من البلاء، وزعموا أنهم لو ماتوا استراحوا، وأي راحة في الموت؛ أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت! فانطلق إلى موضع كذا، فإن فيه أمواتا، فقال الله تعالى: (يا حزقيل، نادهم. وكانت أجسادهم وعظامهم قد تفرقت؛ فرقتها الطير والسباع) فنادى حزقيل بالنداء الذي ذكرناه.

ومعنى الآية: ألم يعلم الذين، وقيل معناه: ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم، والمراد بالرؤية رؤية القلب لا رؤية العين. وقوله تعالى: { حذر الموت } أي خرجوا هاربين حذر الموت، وانتصب على أنه مفعول له. وظاهر هذا يقتضي أن خروجهم كان على جهة الفرار من الوباء على ما فسره السدي.

وقيل في معنى: { ألوف } أي مؤتلفوا القلوب لم يخرجوا من تباغض، ومعنى { فقال لهم الله موتوا } أي أماتهم، وقيل: أماتهم الله بشيء يسمعوه، وسمعت الملائكة.

قوله عز وجل: { إن الله لذو فضل على الناس }؛ أي متفضل على جميع الناس كما تفضل على هؤلاء بأن أحياهم بعد الموت وأراهم البصيرة لا غاية بعدها، { ولكن أكثر الناس لا يشكرون }؛ رب النعم. وفي الآية دلالة على أن الموت لا ينفع الهرب منه كما قال تعالى:

صفحه نامشخص