والذي جآء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون
[الزمر: 33]. فإن قلت: كيف يجوز تشبيه الجماعة بالواحد؟ قلت: لأن (الذي) اسم ناقص، فيتناول الواحد والاثنين ك (من) و (ما)، وفي الآية ما يدل على أن معناه الجمع، وهو قوله تعالى: { وتركهم }. وقد يجوز تشبيه فعل الجماعة بفعل الواحد مثل قوله تعالى:
أتدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت
[الأحزاب: 19]. وقوله تعالى: { أضآءت } يقال: ضاء القمر يضوء ضوءا، وأضاء يضيء إضاءة؛ وإضاءة غيره يكون لازما ومتعديا. وقرأ محمد بن السميقع: (ضاءت) بغير ألف؛ و { حوله } نصب على الظرف.
قوله تعالى: { ذهب الله بنورهم }؛ أي أذهب الله نورهم. وإنما قال: { بنورهم } والمذكور في أول الآية النار؛ لأن النار فيها شيئان: النور والحرارة؛ فذهب نورهم؛ وبقي الحرارة عليهم، { وتركهم في ظلمت لا يبصرون }.
وفي بعض التفاسير: قال ابن عباس؛ وقتادة والضحاك: (معنى الآية: مثلهم في الكفر ونفاقهم كمن أوقد نارا في ليلة مظلمة في مفازة فاستضاء به، واستدفأ ورأى ما حوله، فاتقى ما يحذر ونجا مما يخاف وأمن؛ فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره؛ فبقي مظلما خائفا متحيرا؛ فكذلك المنافقون إذا أظهروا كلمة الإيمان واستناروا بنورها واعتزوا بعزها، فناكحوا المسلمين ووارثوهم وقاسموهم الغنائم وأمنوا على أموالهم وأولادهم؛ فإذا ماتوا عادوا في الظلمة والخوف وبقوا في العذاب والنقمة).
[2.18]
وقوله تعالى: { صم بكم عمي }؛ أي هم صم عن الهدي لا يسمعون الحق، بكم لا يتكلمون بخير؛ عمي لا يبصرون الهدي؛ أي بقلوبهم كما قال الله تعالى:
وترهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون
[الأعراف: 198]. وقيل: معناه صم يتصامون عن الحق؛ بكم يتباكمون عن قول الحق؛ عمي يتعامون عن النظر إلى الحق؛ يعني الاعتبار. وقرأ عبدالله: (صما بكما عميا) بالنصب على معنى وتركهم كذلك. وقيل: على الذم، وقيل: على الحال. وقوله تعالى: { فهم لا يرجعون }؛ أي من الضلالة والكفر إلى الهدى والإيمان.
صفحه نامشخص