172

Tafsir al-Uthaymeen: Al-Shu'ara

تفسير العثيمين: الشعراء

ناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٣٦ هـ

محل انتشار

المملكة العربية السعودية

ژانرها

فإذا لم يَنْقَدِ الإِنْسانُ فليسَ بمؤمنٍ، ولهذا نقولُ: إنَّ الإيمانَ هو التصديقُ المستلزِمُ لِلْقَبُولِ وللإنقيادِ: قَبُول الخَبَرِ والإنقياد للأَمْرِ والنَّهْيِ، هذا هو الإيمانُ. وأمَّا مُجَرَّد أنَّ الإِنْسانَ يقول: أنا مُؤْمِن بالله، وأنا أَعْتَرِف بأنَّ اللهَ موْجودٌ، وأن له رُسُلًا، لكنَّه لا يَعْمَل، فلا يَنْفَعُهُ هذا الإيمانُ.
فالإيمان الَّذي يَنْفَعُ هو ما ذكرتُ، وقد يُطْلَقُ الإيمانُ لغةً على مجرَّد التصديقِ، ويُقال: هذا مؤمنٌ بشيْءٍ، لكنَّه كافرٌ بأشياءَ، فهذا ليسَ الإيمانَ الشرعيَّ.
وكلُّ مَن كَانَ مُسْتَكْبِرًا فهو أشدُّ؛ لأنَّ الَّذي يَتَبَيَّن له الحقُّ ويَسْتَكْبِر عنه، يكون كُفْرُه كفرَ عِنادٍ، والذي لا يَعْرِف الحقَّ وهو الآن يَعْمَل بعملِ أهلِ الكُفْرِ، هذا كُفْرُه كُفْرُ جَهْلٍ.
فالنَّصارَى في عهدِ الرَّسُولِ ﵊ قبلَ بَعْثَتِهِ يُعْتَبَرُونَ ضالِّينَ، وبعد أنْ بُعِثَ وتَبَيَّنَ لهمُ الحقُّ يكونونَ مَغْضُوبًا عليهم؛ إذ لا فرقَ بينهم وبينَ الْيَهُودِ، فكلٌّ مِنهم بُشِّر بمُحمَّدٍ ﷺ، واللهُ تَعالَى يقولُ في وَصْفِ الرَّسُولِ ﵊: ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧]، معروفٌ، وكُفْرُهم على حدٍّ سواءٍ، ولهذا لا يَصْلُحُ أنْ نقولَ: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾ [المائدة: ٨٢]، فهذه لا تَنْطَبِق على زَماننا هذا، ولا على ما قبله بأزمنةٍ؛ لأنَّ اللهَ بَيَّنَ هذه العِلَّة ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: ٨٢ - ٨٣]، الآن منهم قِسِّيسُونَ ورُهبان مُسْتَكْبِرون عنِ الحقِّ، داعونَ إلى الضَّلال - والعياذُ باللهِ - فلا يُمْكِن

1 / 177