ثم ذكر الله صنفا آخر من الناس ، يعني المنافقين فقال : { ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } يقول : أقروا لله بألسنتهم وخالفت أعمالهم . وما هم بمؤمنين ، أي : حتى يستكملوا دين الله ويوفوا بفرائضه ك { وإبراهيم الذي وفى } [ سورة النجم : 37 ] أي الذي أكمل الإيمان وأكمل الفرائض .
قوله : { يخادعون الله والذين ءامنوا } أي بما أعطوهم من الإقرار والتصديق ، وأعطوا الحقوق من الزكاة ، يخادعون بذلك رسول الله A والمؤمنين؛ فجعل الله مخادعتهم رسوله والمؤمنين كمخادعة منهم لله . وهو كقوله : { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله } [ الفتح : 10 ] . والإيمان بالنبي عليه السلام إيمان بالله ، والكفر به هو كفر بالله ، وكذلك مخادعة الله . قال : { وما يخدعون إلا أنفسهم } أي : إن ذلك يرجع عليهم عذابه وثواب كفره . وتفسير خدعة الله إياهم في سورة الحديد { وما يشعرون } أي أن ذلك يصير عليهم .
ثم قال : { في قلوبهم مرض } يعني بذلك النفاق . يقول : في قلوبهم نفاق ، فنسب النفاق إلى القلب كما نسب الإثم إليه ، كقوله في الشهادة : { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } [ سورة البقرة : 2
8
3 ] قال : { فزادهم الله مرضا } أي الطبع على قلوبهم بكفرهم . { ولهم عذاب أليم } يعني عذابا موجعا { بما كانوا يكذبون } مخففة؛ أي : بقولهم : إنا مؤمنون وليسوا بمؤمنين إذ لم يستكملوا فرائض الله ولم يوفوا بها . فهذا تفسير من قرأها بالتخفيف . ومن قرأها بالتثقيل : { بما كانوا يكذبون } فهو يريد : بعض العمل أيضا تكذيب؛ يقول : إن التكذيب تكذيبان : تكذيب بالقول وتكذيب بالعمل . ومثله في اللغة أن يقول القائل للرجل إذا حمل على صاحبه فلم يحقق في حملته : كذب الحملة ، وإذا حقق قالوا : صدق الحملة . فمن قرأها بالتخفيف فهو يريد الكذب على معنى ما فسرناه أولا . وأخت هذه الآية ونظيرتها التي في براءة : { فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } [ سورة التوبة : 77 ] . يقول : أعقبهم ، بالخلف والكذب الذي كان منهم ، نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه . ومن قرأها بالتثقيل فهو بالمعنى الآخر الذي وصفناه آخرا ، ولا يعني به جحدا ولا إنكارا ، لأن مرض النفاق غير مرض الشرك ، وكذلك كفر النفاق غير كفر الشرك .
صفحه ۸