تفسیر صدر المتألهین
تفسير صدر المتألهين
ژانرها
نقول: مراده من الحق المتخيل، ما لوحناه إليك، من أن كلا من مفهومات الأسماء الإلهية وإن كان بحسب نفس معناه معرى عن صفة الوجود الحقيقي من الوجوب والقدم والأزلية، إلا أنه مما تجري عليه في نفس الأمر تلك الأحكام، وينصبغ بنور الوجود الأحدي بالعرض، لأن صفاته عين ذاته، وهذا النحو من العينية والاتحاد بالعرض غير ما ألفه الجمهور وجرى عليه اصطلاحهم في الكتب العقلية فيما حكموا عليه بالاتحاد بالعرض، لان ذلك عندهم جار في اتحاد العرضيات والمشتقات المحمولة على موضوعاتها، كاتحاد مثل الأبيض والأعمى مع زيد مما يشترط فيه قيام معنى المشتق منه ووجوده حقيقة أو إنتزاعا.
ومعنى هذا الاتحاد أن الوجود المنسوب أولا وبالذات إلى زيد مثلا، هو بعينه منسوب إلى العرضي المشتق ثانيا وبالعرض، أي على سبيل المجاز، مع تجويز أن يكون لهذا العرضي نحو آخر من الوجود يوجد به بالذات غير هذا الوجود الذي قد وجد به بالعرض، فإن مفهوم الأبيض وإن كان متحدا مع زيد، موجودا بوجوده، إلا ان له نحوا آخر من الوجود الخاص به في نفسه، فإنه جوهر موجود بالعرض، وعرض موجود بالذات لما قد حقق في مقامه من ان العرضي عين العرض الذي هو مبدء اشتقاقه بالذات، فيكون موجودا بوجوده الجوهري بالعرض.
وليس من هذا القبيل اتحاد المعاني والأعيان الكلية بحقيقة الوجود، إذ لا يمكن لها ضرب آخر من الوجود معرى عن الوجود، أو منحازا عنه، لا في نفس الأمر، ولا عند العقل.
فالمعية بين ذات الله وأسمائه الحسنى ليست كالمعية بين العرضي والذاتي، فضلا عما هو بين العرض والجوهر، ولا كمعية الذاتيات في الماهيات الامكانية، لأن الحق ليس ذا مهية كلية، بل حقيقته ليست إلا وجودا مقدسا بسيطا صرفا، لا اسم له ولا رسم، ولا إشارة إليه إلا بصريح العرفان، ولا حد له ولا برهان عليه إلا بنور العيان، وهو البرهان على كل شيء والشاهد في كل عين، فمعنى كون أسمائه وصفاته عين ذاته كما مر أن الذات الأحدية بحسب نفس هويته الغيبية، ومرتبة إنيته الوجودية، مع قطع النظر عن انضمام أي معنى أو اعتبار أي أمر كان، بحيث تصدق في حقه هذه الأوصاف الكمالية والنعوت الجمالية، وتظهر من نور ذاته في حد ذاته هذه المحامد القدسية، وتتراءى في شمس وجهه هذه الجلايا النورية، والأخلاق الكريمة العلية، وهي في حدود أنفسها مع قطع لنظر عن نور وجهه وشعاع ذاته، لا ثبوت لها ولا شيئية أصلا، فهي بمنزلة ظلال وعكوس تتمثل في الأوهام والحواس من شيء، وكذلك حكم الأعيان الثابتة وحكم المعاني الذاتية لكل موجود.
فجميع الأعيان المعقولة والطبائع الكلية، ما هي عند التحقيق إلا نقوش وعلامات دالة على أنحاء الوجودات الإمكانية، التي هي من رشحات بحر الحقيقة الواجبية وأشعة شمس الوجود المطلق، ومظاهر أسمائه وصفاته، ومجالي جماله وجلاله، وأما نفس تلك الأعيان والماهيات منحازة عن الوجودات الخاصة، فلا وجود لها أصلا لا عينا ولا عقلا. بل أسماء فقط كما في قوله:
إن هي إلا أسمآء سميتموهآ أنتم وآبآؤكم مآ أنزل الله بها من سلطان
[النجم:23]. ولعل الكلام انجر إلى ما لا تطيق سماعه أسماع الأنام، ويضيق عن فهمه نطاق الأفهام.
فصل
[اسم الجلالة]
فإن قلت: هل لمعنى اسم الجلالة حد أم لا؟ قلت: الحد عند الحكماء قول دال على تصور أجزاء الشيء ومقوماته، فما لا جزء له ولا مقوم لذاته فلا حد له، وما لا حد له لا برهان عليه، لأن الحد والبرهان متشاركان في الحدود كما بين في علم الميزان، وإذا تقرر هذا فلا شبهة في أن ذات الباري لتقدسه عن شوائب التركيب أصلا، سواء كان من الأجزاء الوجودية أو الحملية أو غير ذلك - على ما اقتضاه برهان التوحيد والأحدية -، فلا حد له كما لا برهان عليه.
صفحه نامشخص