تفسیر صدر المتألهین
تفسير صدر المتألهين
ژانرها
وأما وجود ذي الصورة بهويته الخارجية ومادته الوضعية، فهو مدرك بالعرض وبالقصد الثاني، وليس المثول الخارجي للمبصر المادي بنسبته الوضعية المادية بالقايس الى الآلة الجسمانية الداثرة وجليدتيها اللتين هما مسلكا التأدية، وليستا لوحي الانطباع، من الشرائط الضروية للإبصار، الذي هو قيام الصورة المبصرة في حضرة النفس، بل ذلك طريق واحد من طرق الحصول للصورة والمثول الإنكشافي النوري لها عند النفس، ما دام كونها في هذه النشأة الداثرة وعظيمة التعلق بها وتمكن حصولها بطريق آخر للنفس، كما في النوم، حيث لا يكون وجود الصورة في مادتها المخصوصة شرطا لانكشافها وحضورها للنفس، وعلى هذا القياس شاكلة السمع أيضا.
ومبدأ حضور الصورة مطلقا، هو واهب الصور، والإفاضة من تلقائه. وللنفس في ذاتها سمعا وبصرا وشما وذوقا ولمسا وإن انسلخت عنها هذه الآلات العنصرية الداثرة البائدة، وإنما الحاجة لها الى هذه الداثرات، ما دام كونها الناقص الدنيوي، وعدم خروج قواها وحواسها الباطنية من القوة الى الفعل.
فعند خروجها من ظلمات هذه الحواس، وغبار هذا العالم الداثر ، وبروزها لله من زيارة هذه المقابر، تشاهد المحسوسات بقوتها المتخيلة.
ونحن قد أقمنا البرهان العرشي على جوهرية القوة الخيالية وتجردها عن المادة البدنية في الشواهد الربوبية عند البحث عن تحقيق المعاد الجسماني، فمن كانت نفسه واغلة الهمة في الجنبة السافلة، طفيفة الانجذاب الى الجنبة العالية، قليلة التوجه الى يمين الحق وعالم القدس، لم يكن لجوهر قلبه سبيل الى مطالعة الصور الغيبية إلا من مسلك الحاسة الظاهرة، والاتصال بالآلة البدنية، وحضور المادة الخارجية.
فأما إذا كانت نفسه قوية العزيمة، مجموعة الهمة، قدسية الفطرة، نقية الجوهر بحسب جبلتها المفطورة، أو بحسب ملكتها المكسوبة، وبالجملة، شديدة الاستحقار لعالم الحس، قاهرة القوة على تسخير القوى وضبطها، ذات سلطنة على خلع البدن ورفض الحواس الظاهرة، والانصراف عنها الى صقع الملكوت بإذن ربها؛ فهو مستغن بقوة نفسه المتخيلة اللامنغمسة في قوى البدن عن استعمال الحواس الظاهرة.
فله أن يتلقى الصورة الجزئية من معادنها الأصلية من غير استعانة بهذه الآلات، ويقتدر على تصوير المعاني بصورها المقدارية في عالم الصور الخالصة عن هذه المواد متى شاء وحيث شاء.
فمهما وجدت نفسه فرصة عن هذه الشواغل العارضة في اليقظة، تخلص بقوتها المتخيلة عن جانب الطبيعة، راجعة الى عالمها، متصلة بأبيها المقدس وهو روح القدس، وبمن شاء الله تعالى من الأرواح المقدسة، ويستفيد من هناك العلم والحكمة بالانتقاش على سبيل الرشح، أو العكس، كمرآة مجلوة حوذي بها شطر الشمس.
ولكن حيث إن النفس تكون بعد في دار غربتها بالطبع، ولم تنسلخ ولم ترتفع أذيالها بالكلية عن علاقتها التدبيرية لقواها البدنية وجنودها الحسية، أو انها لم تتجرد عن عالم التمثل بالكلية وإن تجردت عن عالم المادة بالكلية، فيكون منالها فيما تناله بحسب ذلك الشأن وتلك الدرجة، تحول الملك الحامل للوحي على صورة متمثلة في شبح شخص بشري ناطق بكلمات إلهية منظومة مسموعة، كما قال تعالى:
فتمثل لها بشرا سويا
[مريم:17] يعني بذلك ارتسام الصورة عنده لا في لوح بنطاسياه - كما زعمه الظاهريون من الحكماء ممن لا تحقيق له في علم النبوات -، ولا من سبيل الظاهر والأخذ عن مادة خارجية، بل بالانحدار إليه من العالم الأعلى، والنزول اليه من جانب اليمين وصقع الإفاضة.
صفحه نامشخص