222

تفسیر صدر المتألهین

تفسير صدر المتألهين

ژانرها

وإما أن تكون معطوفة على المتقين، فكأنه قال: هدى للمتقين عن الشرك، وللذين آمنوا من أهل الملل. والطائفتان هما أهل التزكية وأهل التحلية.

وربما قيل: إن قوله تعالى: { الذين يؤمنون بالغيب } وإن كان شاملا لأهل الكتاب وغيرهم، إلا ان دلالة العام على بعض ما دخل تحته، ليس في القوة كدلالة لفظ مخصوص به، إذ العام مما يحتمل التخصيص بما سوى هذا البعض، والخاص لا يحتمل ذلك، ولما كانت السورة مدنية وقد شرف الله المسلمين بقوله: { هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } ذكر بعد ذلك مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام ونظرائه في العلم واليقين بقوله: { والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك } - الى آخره - لأن في هذا التخصيص بالذكر مزيد تشريف لهم، كما في ذكر جبرائيل وميكائيل بعد الملائكة، وترغيب لأمثالهم في الدين القويم والصراط المستقيم، فهذا هو السبب في ذكر هذا الخاص بعد ذلك العام.

فصل

المراد { بمآ أنزل إليك } ، صورة ألفاظ القرآن السمعية بأسرها، نزولا سمعيا في عالم الأشخاص والأجسام الغائبة عنا، وصورة معانيها العقلية عن آخرها، نزولا قلبيا في عالم الأرواح القدسية، وإنما عبر عن إنزالها بلفظ الماضي، وإن كان بعضها مما يترقب إنزاله؛ لأن الأشياء المتجددة في موطن الدنيا، المتعاقبة في أزمنة كثيرة منها، إنما هي مجتمعة ثابتة في المواطن العالية في زمان واحد دفعة واحدة، كما أشار اليه قوله تعالى:

وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون

[الحج:47]. وقوله:

ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر

[القدر:3 - 4].

وقيل: لأن القرآن شيء واحد في الحكم، ولأن المؤمن ببعضه مؤمن بكله. وقيل: هذا من باب التغليب للموجود على ما لم يوجد، والتنزيل للمنتظر المتوقع وقوعه منزلة الواقع كما في قوله تعالى:

إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى

صفحه نامشخص