[3.140-143]
{ إن يمسسكم } ويصبكم أيها المجاهدون في سبيل الله؛ لإعلاء كلمته { قرح } ضيق ومشقة من أعداء الله يوم أحد، لا تبالوا به ولا تضعفوا بسببه، ولكم أن تذكروا يوم بدر { فقد مس القوم } العدو { قرح مثله } بل أشد من ذلك، ومع ذلك لم يضعفوا ولم يجنبوا، مع كونهم ساعين على الباطل، وأنتم أحقاء بألا تجبنوا ولا تشعفوا؛ لكونكم مجاهدين في طريق الحق، ساعين لترويجه { و } اعلموا أن { تلك الأيام } أي: أيام النصر والظفر والقرح والغنيمة أيام وأزمان { نداولها بين } جميع { الناس } محقهم ومبطلهم، مؤمنهم وكافرهم؛ ليعلموا أنهم جميعا تحت حيطة أوصافنا الجمالية والجلالية، واللطفية والقهرية.
{ وليعلم الله } أي: ينبه ويرشد خصوصا { الذين آمنوا } بتوحيد الله بأمورهم على الجهاد طريق الفناء فيه؛ ليفوزوا بشرف بقائه { و } لذلك { يتخذ منكم } أيها المؤمنون { شهدآء } واصلين، أحياء دائمين { والله } المتوحد بذاته { لا يحب الظالمين } [آل عمران: 140] المتجاوزين عن طريق توحيده المائلين عن صراطه المستقيم.
{ وليمحص } يطهر ويصفي { الله } بلطفه قلوب { الذين آمنوا } تيقنوا وتحققوا بصفاء التوحيد { ويمحق } ويهلك في ظلمة البعد والإمكان { الكافرين } [ال عمران: 141] الساترين بهوياتهم الباطلة، المظلمة الكثيفة نور صفاء الوجود.
أتحسبون وتطمعون أيها المريدون، القاصدون سلوك طريق التوحيد، أنكم مستوون عند الله في السلوك { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } الوحدة الذاتية { ولما يعلم الله } أي: لم يفرق، ولم يميز الله بعلمه الحضري { الذين جاهدوا منكم } في سبيله ظاهرا وباطنا، وبذلوا جهودهم فيها إلى أن بذلوا مهجهم فتفانوا في الله حتى صاروا شهداء حضراء أمناء عند الله، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون عن المتقاعدين المتكاسلين { و } أيضا { يعلم } وليميز منكم { الصابرين } [آل عمران: 142] المتمكنين في مرمى القضاء الرضا بما جرى عليهم من سهام التقدير، بلا إقدام ولا إحجام.
{ ولقد كنتم } أيها المحمديون، المستكشفون عن سرائر التوحيد الذي { تمنون الموت } الموصل إلى مرتبة اليقين العيني والحقي عند وصولكم إلى مربتة اليقين العلمي، مسرعين عليها؛ شوقا واستلذاذا { من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه } متى ظهرت أمارات التوحيد، ولمع سراب الفناء، وبرق صوارم القضاء المفضية إلى هلاك الغير والسوى مطلقا { وأنتم } أيها الطالبون للوصول إلى جنة الذات { تنظرون } [آل عمران: 143] تبطئون وتغتبرون.
[3.144-146]
{ و } اعلموا أيها المسترشدون { ما محمد إلا رسول } من الرسل، هاد لكم إلى التوحيد الذاتي ينبهكم على طريقه { قد خلت } مضت { من قبله } أي: قبل ظهوره { الرسل } الهادين إليه مثله، المنبهين لطريقه في ضمن توحيد الصفات والأفعال، وما لهم وله إلا التبليغ والتنبيه، فعليكم أن تتنبهوا وتتحقوا بمقام التحقيق واليقين، معرضين عن التقليد والتخمين، أتؤمنون به وتسترشدون منه أيها المريدون حال حياته؟.
{ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } غير واصلين إلى فضاء التوحيد { ومن ينقلب } منكم { على عقبيه } بلا وصول إلى الغاية { فلن يضر الله شيئا } بنقصان أو زيادة؛ إذ و مستو على عرضه كما كان، بلا تبديل ولا تغيير، بل ما يضر إلا نفسه بعدم إيصالها إلى غياتها الممكن لها، وبذلك حط عن رتبة الشاكرين { و } اعلموا أيها المؤمنون { سيجزي الله } بلطفه بالجزاء الجميل والإحسان الجزيل { الشاكرين } [آل عمران: 144] منكم، الصادقين جميع القوى والجوارح إلى ما خلق لأجله الصابرين على ما أصابهم في سبيله، الباذلين مهجهم في إعلاء كلمة توحيده، الراجين منه الوصول إلى زلال تجريده وتفريده.
{ و } اعلموا أيها المؤمنون بقضاء الله وقدره { ما كان لنفس } من النفوس الخيرة والشريرة { أن تموت } بقتل أو حتف أنفه { إلا بإذن الله } بتقديره ومشيئته، الثابت المثبت في قضائه، السابق له { كتبا } جامعا بجميع ما يجري عليه في عالم الشهادة، حياته وموته ورزقه { مؤجلا } بوقت معين لا يتأخر عنه ولا يتقدم { ومن يرد } منكم { ثواب الدنيا } التي هي أدنى مرتبة الإنسان، وأنزل منزلته من المفاخرة بالمال والجاه والحسب والنسب { نؤته } نعطه { منها } مقدار ما يقدر لنا في سابق علمنا، ونحاسبه عليها في يوم الجزاء في النشأة الأخرى.
صفحه نامشخص