" إن هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصمه الله، وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت ".
[3.135-139]
{ و } من جملة المتقين والمعدودين من زمرتهم: { الذين إذا فعلوا فاحشة } فعلة قبيحة صغيرة كانت أو كبيرة، صدرت منهم هفوة خطأ { أو ظلموا أنفسهم } بأن صدرت عنهم عن قصد وتعمد، ثم { ذكروا الله } خائفا من بطشه وانتقامه { فاستغفروا } منه راجين العفو والستر { لذنوبهم } التي صدرت عنهم عمدا أو خطأ { ومن يغفر الذنوب } مطلقا من العباد { إلا الله } غير الله الذي يغفر ما دون الشرك لمن يشاء من عباده إرادة واختيارا { و } بعد استغفارهم { لم يصروا } ولم يرجعوا { على ما فعلوا } بل تركوه بالمرة، ولم يرجعوا عليها أصلا { و } الحال أنهم { هم يعلمون } [آل عمران: 135] قبحه ووخامة عاقبته.
{ أولئك } المتذكرون، المستغفرون { جزآؤهم مغفرة } ستر لأنانيتهم، عطاء { من ربهم } لإخلاصهم في الإنابة والرجوع { وجنات } كشوف وشهود { تجري من تحتها الأنهار } أي: أنهار المعارف والحقائق { خالدين فيها } أبدا، لا يظمؤون منها أبدا، بل يطلبون دائما مزيدا { ونعم أجر العاملين } [آل عمران: 136] تلك الغفران والجنان.
بادروا أيها المؤمنون إلى الطاعات، وداوموا على الأعمال الصالحات، ولا تغفلوا عن الله في عموم الحالات، واعلموا { قد خلت } مضت { من قبلكم } في القرون الماضية { سنن } وقائع هائلة بين الأمم الهالكة، المنهمكة في بحر الضلال والخسران، وإن أردتم أن تعتبروا منها { فسيروا في الأرض } أي: عالم الطبيعة أيها المفردون، السائحون في ملكوت السماوات والأرض { فانظروا } في آثارهم وأظلالهم { كيف كان عاقبة المكذبين } [آل عمران: 137] بتوحيد الله وبرسوله، المبينين له، وإذا نظرتم وتأملتم، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
{ هذا } أي: في تذكر سنتهم وسيرهم { بيان } ودليل واضح { للناس } المستكشفين عن غوامض مسالك التوحيد الذاتي من أهل الإرادة { وهدى } أي: لأهل الكشف والشهود من أرباب المحبة والولاء { وموعظة } وتذكيرا { للمتقين } [آل عمران: 138] من عموم المؤمنين.
{ ولا تهنوا } أي: ولا تضعفوا أيها المؤمنون من متاعب مسالك الفنا { ولا تحزنوا } من المكروهات التي عرضت عليكم من مقتضيات الأوصاف البشرية في النشأة الأولى { و } اعلموا أنكم { أنتم } أيها المحمديون أنتم { الأعلون } في دار البقاء؛ أي: المقصرون، المنحصرون على أعلى المراتب إذ لا دين ولا نبي أعلى من دينكم ونبيكم، لظهوره على التوحيد الذاتي، لذلك ختم به صلى الله عليه وسلم أمر النسخ والتبديل، وظهر سر قوله سبحانه:
ما يبدل القول لدي
[ق: 29]، { إن كنتم مؤمنين } [آل عمران: 139] محققين بتلك المرتبة.
آتنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.
صفحه نامشخص