498

فقال مخاطبا لحبيبه صلى الله عليه وسلم، ناهيا له عن التوجه والالتفات نحو الغير مطلقا: { فلا تدع مع الله } الأحد الفرد الصمد، المستقل بالألوهية والربوبية { إلها آخر } من مظاهره ومصنوعاته؛ إذ الكل في حيطة أوصافه وأسمائه لا وجود لها لذاتها، بل إنما هي عكوس وأظلال للأسماء والصفات الإلهية { فتكون } أنت بجمعيتك وكمالك لو دعوت، واتخذت إلها آخر صرت { من المعذبين } [الشعراء: 113] بأنواع التعذيبات الصورية والمعنوية والعقلية والحسية، الجسمانية والروحانية.

إنما خاطب سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب الهائل، عاتيه بهذا العتاب الهائب؛ ليتنبه المؤمنون، ويتفطنوا بكمال غيرة الله المتفرد المتوحد، القهار للأغيار مطلقا.

{ و } بعدما ظهر عندك يا أكمل الرسل غوائل الشرك، ولاح دونك ما يترتب عليه من القهر الإلهي وغضبه { أنذر عشيرتك } أي: قرابتك، سيما { الأقربين } [الشعراء: 214] منهم واهتم بشأنهم أشد اهتمام؛ حتى تنقذهم من الشرك المستجلب لأنواع العذاب والغضب من قبل الحق.

{ واخفض جناحك لمن اتبعك } وآمن لك منهم؛ أي: لين جانبك نحوهم، وابسط مؤانستك معهم ومصاحبتك معهم إياهم؛ حتى صار كلهم { من المؤمنين } [الشعراء: 215] الموحدين، الناجين من عذاب الله وسخطه.

{ فإن عصوك } بعدما قد لنت لهم وأنست معهم، ولم يقبلوا منك دعوتك وإنذارك { فقل } متبرئا منهم، مستنزها نفسك عن أعمالهم: { إني بريء مما تعملون } [الشعراء: 216] أي: منكم ومن عملكم الذين تعملونه مصرين مستكبرين.

[26.217-227]

{ و } إن عادوك وعاندوا معك إلى أن قصدوا منك { توكل } في دفعهم وكفاية مؤنتهم { على العزيز } الغالب لقهر الأعداء، الغالب على غضبهم وانتقامهم بأنواع البلاء { الرحيم } [الشعراء: 217] على الأولياء، ينصرهم على أعدائهم، ويدفع عنهم شرورهم.

وكيف لا يرحمك يا أكمل الرسل، ولا يكفيك مؤونة أعدائك { الذي يراك } أي: القيوم القادر الذي يشاهد { حين تقوم } [الشعراء: 218] من منامك خلال الليل طلبا لمرضاته، ورفعا لحاجاتك نحوه؟!.

{ و } يشاهد أيضا { تقلبك } وترددك جوف الليل في تفقد أحوال المؤمنين { في الساجدين } [الشعراء: 219] المتذللين نحو الحق، واضعين جباههم على تراب المذلة والانكسار شوقا إليه وتحننا نحوه من إفراط المودة، واشتعال نار العشق والمحبة الإلهية المطفئة لنيران الأهوية الفاسدة والآراء الباطلة.

وكيف لا يتذللون إليه ولا يتحننون نحوه { إنه } بذاته { هو السميع } لمناجاتهم وعرض حاجاتهم { العليم } [الشعراء: 220] بمقاصدهم وأغراضهم، وخلوص نياتهم وإخلاصهم في أعمالهم.

صفحه نامشخص