425

واعلموا أيها المتقربون إلى الله بالهدايا والضحايا: { لن ينال الله } أي: لن يصيب ويصل إليه سبحانه { لحومها } المتصدق بها، إذ هو منزه عنها وعن الانتفاع بها { و } أيضا { لا } يصل إليه سبحانه { دمآؤها } المهراقة { ولكن يناله } ويصل منها إليه سبحانه { التقوى منكم } أي: التحرز والاجتناب عن محارمه ومنهياته والامتثال بأوامره والإتيان بمأموراته، وبالجملة بقربكم إليه سبحاه امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لا اللحوم والدماء.

ثم كرره سبحانه تأكيدا أو مبالغة بقوله: { كذلك سخرها لكم } أي: الهدايا والضحايا { لتكبروا الله } المتعزز بالعظمة والكبرياء، المستقل بالمجد والبهاء حق تكبيره، وتعظموه حق تعظيمه وتوقيره { على ما هداكم } وأرشدكم إلى الإيمان والتوحيد { وبشر } يا أكمل الرسل { المحسنين } [الحج: 37] منهم، وهم الذين يعبدون الله كأنهم يرونه، ويحسنون الأدب معه ، كأنهم ينظرون إليه سبحانه.

[22.38-43]

ثم لما خشي المؤمنون على معاداة المشركين، وخافوشا عن مخاصمتهم، وغيظهم إذا خرجوا نحو مكة للزيارة والطواف قاتلوا معهم، وأكبوا عليهم وعلى أموالهم، وأسروا أولادهم، أزال الله سبحانه عنهم الرعب وأسقط عنهم الخشية بقوله: { إن الله } المتكفل لأمور عباده، الحفيظ عليهم عما يؤذيهم { يدافع } كيد الكفرة العداة البغاة الطغاة { عن الذين آمنوا } بالله وصدقوا بشعائر دينه، وقصدوا إقامتها على أمره ووحيه، كيف لا يدفع سبحانه مع كمال قدرته خيانة من خان بأحبائه وأصدقائه { إن الله } المنتقم لأعدائه { لا يحب كل خوان } مبالغ في الخيانة سيما مع أوليائه وأحبائه { كفور } [الحج: 38] مبالغ في كفران نعمه، حيث صرفها في غير محله مثل: هدي الكفرة، وذبحهم لأصنامهم وأوثانهم.

ثم لما اشتد إضرار الكفرة بالمسلمين وامتد أذاهم عليهم ظلما وعدوانا، أراد المؤمنون أن يقاتلوا ويشاجروا معهم، منعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال والحراب بإذن الله ووحيه سبعين مرة لنزول آية في المنع عنه، وقال صلى الله عليه وسلم في كل مرة: أصبروا حتى يأمر الله.

ثم لما شق على المسلمين ظلمهم وضررهم وصاروا مهانين صاغيرين مع قدرتهم على مقاتلتهم ومدافعتهم { أذن } ورخص من جانب الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم { للذين يقاتلون } أي: يريدون القتال معهم بعدما تحلموا كثيرا من أذاهم وظلمهم، فنزل هذه الآية للرخصة بعدما نزلت سبعون آية بعدمها، لذلك قيل نسخت هذه الآية نيفا وسبعين، وإنما رخصهم سبحانه بها { بأنهم ظلموا } أي: بسبب أنهم صاروا مظلومين صاغرين عن أذى الكفار والمشركين { وإن الله } القادر المقتدر { على نصرهم } أي: نصر الأولياء على الأعداء { لقدير } [الحج: 39] لينصرهم ويغلبهم عليهم، وإن كانوا أكثر منهم، وكيف لا ينتقم سبحانه عن أعدائه لأجل أوليائه؟.

إذ هم { الذين أخرجوا من ديارهم } ظلما وعدوانا { بغير حق } ورخصة شرعية موجبة للإخراج والإجلاء { إلا أن يقولوا } أي: لا موجب لأخراجهم سوى قولهم هذا: { ربنا الله } الواحد الأحد الصمد المنزه عن الشريك والولد { و } كيف لا يدفع سبحانه شر الكفرة عن أوليائه الموحدين؛ إذ { لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } أي: بتسليط أهل الإيمان على المشركين المعاندين { لهدمت } وخرجت باستيلاء الأعداء على الأولياء { صوامع } للرهابنة { وبيع } للنصارى { وصلوات } هي كنائس اليهود { ومساجد } للمسلمين، إنما عد كل واحد منها { يذكر فيها } أي: في كل واحد منها { اسم الله كثيرا } أي: حينا كثيرا، وذكرا كثيرا { و } الله { لينصرن الله } المتكفل بعباده { من ينصره } ويعين دينه ونبيه ويصدق كتابه { إن الله } المطلع لما في صدور عباده من الإخلاص { لقوي عزيز } [الحج: 40] غالب قادر على الإنعام والانتقام لأوليائه من أعدائه، كما سلط ضعفاء أهل الإيمان على صناديد العرب والعجم من الأكاسرة والقياصرة، وشاع دينهم بين الأنام إلى يوم القيامة.

وكيف لا ينصرهم سبحانه، إذ هم: { الذين إن مكناهم } وقدرناهم وجعلنا لهم التصرف والاستيلاء { في الأرض } المعدة للطاعات والعبادات { أقاموا } وأداموا { الصلاة } والميل إلينا بجميع جوارحهم وأركانهم ميلا مقرونا بأنواع الخضوع، والخشوع، والاستكانة، والانكسار، تطهيرا لنفوسهم عن العتو والاستكبار، وتقريبا لهم إلينا على وجه المذلة والافتقار { و } مع ذلك { آتوا الزكاة } المصفية لبواطنهم عن الميل إلى زخرفة الدنيا الغدارة { وأمروا } على من دونهم { بالمعروف } المستحسن عقلا وشرعا { ونهوا عن المنكر } المستقبح شرعا وعرفا على الوجه المبين لهم من ألسنة رسلهم كتبهم المنزلة عليهم من الله { ولله } المدبر لأحوال عباده { عاقبة الأمور } [الحج: 41] أي: مرجع جميع الأمور الجارية فيما بينهم، المتعلق بتهذيب ظواهرهم، وموانع بواطنهم عن موانع الوصول إلى مرتبة التوحيد.

ثم لما تغمم رسول الله صلى لله عليه وسلم وتحزن من تكذيب قومه إياه صلى الله عليه وسلم، ونسبتهم له ما لا يليق بشأنه، أراد سبحانه أن يسلي حبيبه صلى الله عليه وسلم ويزيل عنه همه فقال: { وإن يكذبوك } قومك يا أكمل الرسل لا تبال بهم وبتكذيبهم { فقد كذبت قبلهم } أي: قبل أمتك { قوم نوح } أخاك نوحا عليه لاسلام { وعاد } أخاك هودا عليه السلام { وثمود } [الحج: 42] أخاك صالحا عليه السلام.

{ وقوم إبراهيم } جدك الخليل أبا الأنبياء - عليه وعليهم السلام - { وقوم لوط } [الحج: 43] أخاك لوطا عليه السلام.

صفحه نامشخص