424

[22.31-37]

يعني: اجتبوا عن الشرك والمعاصي المنافية للتوحيد، وكونوا { حنفآء لله } مخلصين له غير مائلين عن دينه { غير مشركين به } شيئا من مظاهره ومصنوعاته { و } اعلموا أيها العقلاء الموحدون أن { من يشرك بالله } الواحد الأحد المنزه عن الشريك مطلقا سواء كان شركه خفيا أو جليا { فكأنما خر } وسقط { من السمآء } أي: أوج الإيمان وأعلى درجة التوحيد والعرفان { فتخطفه } أي: إذا سقط أخذه { الطير } فجأة في الهواء، فيرميه في حضيض غائر بعيد عن العمران { أو تهوي به الريح } حين سقوطه منها فتطرحه { في مكان سحيق } [الحج: 31] بعيد، وواد عميق.

وبالجملة من يشرك بالله - والعاي به منه - فقد وقع في هاوية الضلال بحيث لا يرجى نجاته منها أصلا، الحكم والأمر.

{ ذلك } المذكور لمن أشرك بالله، ونسي الأدب معه، ولم يعرف حق قدره { ومن يعظم شعائر الله } المأمورة في أداء الحج، ويوقرها حق توقيرها وتعظيمها { فإنها } أي: تعظيمها وتحسينها ناشئة { من تقوى القلوب } [الحج: 32] الناظرة إلى الله بنور الحق في جميع حالاتها.

{ لكم } أيها المؤمنون الناسكون بمناسك الحج { فيها } أي: في الهدايا والضحايا { منافع } درها وصوفها وشعرها وظهرها ونسلها { إلى أجل مسمى } أي: إلى حلول وقت عينه سبحانه لذبحها { ثم } بعدما قرب وقتها، وحان حينها { محلهآ إلى البيت العتيق } [الحج: 33] أي: محل ذبحها عند البيت العتيق؛ أي: جميع الحرم حواليه.

{ ولكل أمة } من الأمم الماضية { جعلنا منسكا } أي: مذبحا معينا يتقربون فيه إلينا، ويهدون نحونا بهدايا وقرابين وإنما أعطيناهم ذلك { ليذكروا اسم الله } عند التذكية والذبح { على ما رزقهم } مما ملكت أيمانهم { من بهيمة الأنعام } قيدنا لهم؛ لأن الخيل والحمير لا يليق بالقربان والهدي، وبعدما علمتم أن لكل أمة مذبحا معينا ومنسكا مخصوصا يتقربون فيها إلينا { فإلهكم } أي: فاعلموا أن إلهكم { إله واحد } أحد صمد فرد وتر لا تعدد فيه ولاشركة { فله أسلموا } وتوجهوا إن كنتم مسلمين أموركم إليه { وبشر } يا أكمل الرسل من بين المؤمنين المسلمين بالمثوبة العظمى، والدرجة العليا، والفوز بشرف اللقيا { المخبتين } [الحج: 34] المطيعين الخاضعين المتواضعين الذين خبت، وخمدت نار شهواتهم من بأس الله وخشيته.

وهم { الذين إذا ذكر الله } القادر المقتدر بالإنعام والانتقام { وجلت } وخشيت { قلوبهم } خوفا من قهره وغضبه، وصولة صفات جلاله وسطوة سلطنته وكبريائه { و } أيضا { الصابرين على مآ أصابهم } من المصيبات والبليات التي جرى حكم الله عليه في سابق قضائه { والمقيمي الصلاة } المفروضة بأوقاتها مع شرائطها، وأركانها، وآدابها تقربا إليه، وتوجها نحوه بكمال الخضوع، والخشوع، والتذلل، والانكسار { ومما رزقناهم } و استخلفناهم عليه، ونسبناه إليهم { ينفقون } [الحج: 35] على الوجه الذي أمرناهم به، أي: على المصارف المذكورة في قوله سبحانه:

إنما الصدقات للفقرآء

[التوبة: 60]. متقربين بها إلى الله.

{ و } جعلنا خير الهدايا والضحايا { البدن } جمع: بادن كبذل جميع باذل، وهي: الإبل خاصة سميت بها؛ لعظم بدنها وجسامتها، وغلاء ثمنها، وعظم وقعها في نفوس الناس لذلك { جعلناها لكم من شعائر الله } وأعلام دينه ومعالم بيته { لكم فيها خير } كثير، وأجر جزيل، وثواب عظيم عند الله إن ذبحتموها، وإذا أردتم ذبحها { فاذكروا اسم الله عليها } عند تذكيتها قائلين: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، اللهم منك، وما لنا إلا امتثال ما أمرتنا به، والسر عندك ولديك، والحكمة دونك، واذبحوها { صوآف } أي: صافة قوائمها مشدودة محكمة، ثم تطعنون في لباتها { فإذا وجبت } وسقطت { جنوبها } على الأرض وخرجت روحها من الجسد { فكلوا منها } إن شئتم { وأطعموا } أيضا { القانع } وهو الفقير يقنع بما يعطى، ولا يبادر إلى السؤال والإلحاح { و } أطعموا أيضا { المعتر } وهو الذي يبادر إلى السؤال قبل الإعطاء، ويبالغ فيه { كذلك } أي: على الوجه المذكور { سخرناها } وذللناها؛ أي: البدن { لكم } مع أنها في كمال القوة والجسامة، وأنتم في غاية الضعف، كي تتفطنوا من تسخيرها وتذليلها عليكم إلى تذليل أمارتكم المسلطة عليكم، فذبحتموها في طريق الحق مشدودة قوائم قواها عن مقتضاها { لعلكم تشكرون } [الحج: 36] نعمة الإقدار والتوفيق عليها، وتعطون بدلها من لدنه سبحانه: ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

صفحه نامشخص