فإنْ ألمّ بجفني في الدجى وسنٌ ... فرغبةٌ في خيالٍ منك إطراقي
يا مشبه الغصن في لين وفي هيف ... ويا أخا البدر في حسن وإشراق
فديتُ وجهك ما أحيا ولفظك ما ... أحلى فقد فقتَ في خلقٍ وأخلاقِ
البيت الرابع من الأبيات التي جعلوها ذريعة إلى النوم وقد تقدم أمثالها. وأنشدني محيي الدين للمغاربة:
وريميّ اللحاظ رأى غرابًا ... فأوتر قوسهُ ورمى بسهمِ
فخلنا البدر أرسل عن هلال ... إلى الليل البهيم شهاب رجم
فحمل عليهما حمل الفارس المصمم وأربى في شن الإغارة على ربيعة بن مكدم، وقال وزاد على المعنى:
راق طرفي وقد بدا فوق طرفٍ ... رشأ راشق غرابًا بسهم
مثل بدرٍ في الكفّ منه هلال ... فوق برق يرمي الظلام بنجم
وقال محيي الدين ﵀:
فداؤك ما بقلبي من غليلٍ ... وبادي حسرة وجوىً دخيلِ
يعنفني العذول وبي غرام ... يحذرني مطاوعة العذولِ
أما وأبيك ما للصبر وجه ... جميل في هوى وجه جميلِ
إذا طلب الوفاء غريم عذل ... أحيل على سلوٍّ مستحيلِ
وكم في الحيّ من خصر دقيق ... حملت به أذى خطبٍ جليلِ
ومعتذر اللحاظ من التجافي ... صحيح إشارة الطرف العليلِ
كغصن البان تعطفه شمال ... إذا مالت به كأسُ الشمولِ
وقال أيضًا:
لها منزل بين الثنية والشِّعثِ ... كفته غوادي أدمعي مننَ السحبِ
تضوّع مسكًا نشره فكأنما ... أثرتَ فتيت المسك من ذلك التربِ
ديار التي أمّا سناها فواضح ... وأما حماها فهو ممتنع الحجبِ
شهيّات ما فوق اللثاث من اللمى ... مضيئات ما تحت البراقع والحجبِ
وعهدي بها إذ ربعها ملعب الهوى ... ومجتمع الشكوى ومنتجع الركب
ليالي أثني عطف ليلى وأجتني ... ثمار الأماني من مقبلها العذبِ
ومن شعره:
يريك قوام السمهري قوامها ... ويجلو عليك النيرين لثامها
ويفتننا منها جفون تضمنت ... لواحظها أن لا تطيش سهامها
إذا ما ضللنا في غياهبِ شعرها ... هدانا إلى صبح الغرام ابتسامها
وليلةَ أعطينا المنى من وصالها ... وعهدي لا يهدي إلينا سلامها
توقّد نارًا خدُّها وحليُّها ... وخمرتها فانجاب عنا ظلامها
وطافت بكاسات الرحيق كأنما ... يفضّ عن المسك السحيق ختامها
سألتكما أيُّ الثلاثة درها ... أمبسمها أم عقدها أو كلامها
وأي الثلاث المسكرات فتنني ... أريقتها أم لحظها أم مُدامها
البيت الثالث قد كرره، فقال:
إذا ضللت في ظلام شعره ... هدانيَ الإصباح من جبينه
وقد تقدم مثله، وقلت:
ضل قلبي في دياجي شعره ... واهتدى بالصبح من غرته
وقال محيي الدين وهي من حر الكلام وسهله:
لكم مهجتي مملوكة فتحكموا ... فعندي سواء جرتمُ أو عدلتمُ
سوى هجركم سهل عليَّ فعذبوا ... فؤادي بما شئتم فما ذاك مؤلم
أأخشى عقابًا حين لا لي هفوة ... وقد كنت أرجو العفو إذ أنا مجرم
وإن كنتمُ حقّقتمُ ليَ زلة ... فأحسنُ شيئًا أن أزلّ وتحلموا
أأشقى بكم دهري ويحظى بوصلكم ... دعيّ هوى من لوعة الوجدِ مغرم
وما كنتمُ ممن أخافُ انتقامهُ ... ولكنها الأقدار تعطي وتحرمُ
أأنساكم الهجران ما كان بيننا ... ليالي نشقي الكاشحين وننعمُ
وأيامَ لهوٍ بالثنية لم يكنْ ... تصرمها يخشى ولا يتوهمُ
أنستم إلى الواشي فأوجبَ وحشةً ... وخبركم عني بما ليس يعلمُ
ولولا التجني لم يؤثر محاله ... ومن ذا الذي من قول واشيهِ يسلمُ
شرف الدين بن أحمد بن الحلاوي الشاعر الموصلي الشاب الحسن، شاعر برز في حلبة الآداب، ورمى أغراض البيان فأصاب، ودعا حسن المعاني فأجاب، له شعر أحسن من نظم العقود وأرق من حلب العنقود، بخاطر أمضى من السيف الصقيل، وذهن أجرى من السيل في صبب المسيل، وبديهة حاضرة تكاد تسبق لمع البرق، وتصوب صوب الودق، رأيته، ﵀، وهو شاب حسن حلو الحديث عذب الكلام دمث الأخلاق كثير النادرة توفي سنة ست وخمسين وستمائة بتبريز، فمن شعره:
1 / 24