قال المؤلف رضي الله تعالى عنه: ولا يكون ماهرا بالقرآن حتى يكون عالما بالفرقان، وذلك بأن يتعلم أحكامه فيفهم عن الله تعالى مراده وما فرض عليه، ويعرف المكي من المدني ليفرق بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام، وما ندبهما إليه في آخر الإسلام، وما افترض في أول الإسلام، وما زاد عليهم من الفرائض في آخره، ويعرف الإعراب والغوائب فذلك يسهل عليه معرفة ما يقرأ ويزيل عنه الشك فيما يتلو ثم ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فبها يصل الطالب إلى مراد الله عز وجل، وهي تفتح له أحكام القرآن فتحا. وقد قال الضحاك في قوله عز وجل: {كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب}. قال: حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيها. وذكر ابن أبي الحواري قال: أتينا فضيل بن عياض سنة خمس وثمانين ومائة ونحن جماعة، فوقفنا على الباب فلم يأذن لنا بالدخول، فقال بعض القوم: إن كان خارجا لشيء فيستخرج لتلاوة القرآن، فأمرنا قارئا يقرأ فطلع علينا من كوة، فقلنا: السلام عليك ورحمة الله، فقال: وعليكم السلام فقلنا: وكيف أنت يا أبا علي؟ وكيف حالك؟ قال: أنا من الله في عافية ومنكم في أذى. وإن ما أنتم فيه حدث في الإسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون ما هكذا كنا نطلب العلم، ولكنا كنا نأتي المشيخة فلا نرى أنفسنا أهلا للجلوس معهم، فنجلس دونهم ونسترق السمع، فإذا مر الحديث سألناهم إعادته وقيدناه، وأنتم تطلبون العلم بالجهد وقد ضيعتم كتاب الله، ولو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون. قال: قلنا: قد تعلمنا القرآن قال: إن في تعلمكم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم، قلنا: كيف يا أبا علي؟ قال: لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمه من متشابهه، وناسخه من منسوخه. فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة. ثم قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
صفحه ۶۹