طبیعیات در علم کلام: از گذشته تا آینده
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
ژانرها
لقد أدنت سابقا - ودائما - الرفض الآلي لإيجابيات الحضارة الغربية، وليس أرسطو منها. فبوصفه المعلم «الأول» يؤكد تفريد الحضارة الغربية ومصادرها اليونانية، فتبدو وكأنها تملك في صلب ذاتها حيثيات بدئها المكتمل، وفيما عدا هذا لا قيمة كبيرة لأرسطو الآن. وكما أشار د. زكي نجيب محمود، الوقت الذي ينفق مع أرسطو ومنطقه ضائع سدى. وإذا كنا ننشد آفاق المستقبل ومشارف القرن الحادي والعشرين، فلا مندوحة عن الاستفادة من أروع وأنبل منجزات الحضارة الغربية: ظاهرة العلم الحديث.
ولما كانت التفاصيل معروفة، وخضت فيها في أكثر من بحث سابق لي، فتكفينا الآن الإشارة إلى أن نشأة وتخلق ونماء العلم الحديث كان على وجه الدقة هو تخلق ونشأة ونماء التحرر من الأرسطية، التي عرقلت العلم الطبيعي ألف عام أو يزيد، ولولاها لتسارعت خطاه؛ فقد كانت الأرسطية تجريدا وتمثيلا لروح الحضارة الإغريقية التي دأبت على تمجيد النظر وتحقير العمل، مثلها أرسطو بمنطقه القياسي العقيم، بعد أن أدت دورها التاريخي واستنفدت مقتضياتها وآذنت شمسها بالغروب؛ لذلك لم تساهم الأرسطية كثيرا في تقدم البشرية. وبالنسبة للعلم الطبيعي كانت عقبة كئود، دفعت برتراند رسل لتأكيد أن الله لم يبتل البشرية بالفقر ولا بالجهل ولا بالمرض، بل ابتلاها بأرسطو.
شربك أرسطو العالم الطبيعي بمنظومة جهنمية من التفانين الميتافيزيقية؛ كفريق العلل الرباعي المضاد والمتربص لمفهوم العلية العلمي، وعالم ما فوق فلك القمر وما تحته والمحركات والوسائط ... إلخ. وبقدرة قادر هيمنت على العقول، وأولها عقل ابن رشد الذي تشبث بكل تفاصيلها، حتى إن عقلانيته الشهيرة والرائعة لم تنقذه من عقيدة التنجيم ما دامت قد ترددت أصداؤها في الأرسطية. الأجرام السماوية عند ابن رشد حية شريفة متنفسة، ليس لها من قوى النفس إلا العقل والشوق إلى الحركة في المكان، لا تكون ولا تفسد ولا تتغير، بل هي سبب التغير. والحوادث في عالم الطبيعية والإنسان مادتها مباينة لمادة الأجسام المتحركة؛ فهي ليست من العناصر الأربعة، بل عنصرا خامسا هو الأثير.
42
ونعود إلى موضوعنا: المتجه الإلهي، لنجد الأرسطية مع ابن رشد تماما مثلما مع ابن سينا أيسر السبل لتوجيه الطبيعيات في المتجه الإلهي. وبصرف النظر تماما عن حكمة الإشراق السينوية نجد أن فلسفة أرسطو الطبيعية أو الفيزيقية كلها موجهة في اتجاه ميتافيزيقاه، التي يقف على قمتها المحرك الأول. وما أيسر أن نستبدل به الله الواحد الأحد الفرد الصمد، لتتجه إليه الفلسفة الطبيعية!
لكن ابن رشد أحرز خطوة تقدمية، حين انشغل بالمشكلة التي رأينا الثقافة الإسلامية - حيث مركزية الوحي - تفرضها؛ أي العلاقة بين الله والعالم الطبيعي. وقعت فلسفة أرسطو في مأزق عدم وجود صلة أنطولوجية بين المحرك الأول والعالم، أما محرك/إله ابن رشد فقد أصبح إسلاميا، واختلف عن محرك أرسطو بما يردم هذه الهوة بينه وبين العالم. فالله ينتج الوجود. إنما بصورة مختلفة عن تصور المتكلمين. فقد أنتجه كما تنتج العلة معلولها، وبقدر ما يتضمن المعلول وجود العلة، يتضمن العالم وجود الله. لذلك تجاوز ابن رشد أيضا ثنائية الفيض الفارابية والسينوية وجعل الله أشبه بعقل العالم الساري فيه والممسك به. وكما تسري أحكام الرئيس في المدينة تسري إرادة الله في العالم. وبغير الألوهية لا تصور فلسفيا للعالم، وقد اعتبر الدهريين النقيض الحقيقي للفلاسفة.
وهو في «فصل المقال» يعرف الفلسفة أو الحكمة بأنها النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، وكلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم، والعكس أيضا صحيح. معرفة الصانع لا تكون إلا بالنظر في الكائنات التي خلقها، وكانت أدلة وجود الله عنده: العناية والاختراع والحركة، كلها منصبة على - أو مستقاه من - العالم الطبيعي الذي يعني عنده كل شيء سوى الله والأجرام السماوية.
هكذا تتبدى أمامنا الدائرة الثيولوجية الأنطولوجية المغلقة، وإن كانت عقلانية ابن رشد لا تجعلها مغلقة بمثل ذلك الإحكام الذي رأيناه فيما سبق ... ولكن هل يمثل هذا قطعا معرفيا؟ وطبيعياته ظلت في كل حال سائرة نحو المتجه الإلهي؟! •••
وأخيرا - وربما أولا - يبقى أولئك المعروفون باسم الفلاسفة الطبيعيين الذين يتحملون عبء ما نسميه الآن تاريخ العلوم عند العرب. وكأننا نصادر على إبقائهم خارج مجال الفلسفة/الحكمة، فضلا عن أن المتكلمين عدوهم زنادقة ملحدين. ولئن كانت أفكارهم الفلسفية غير مترابطة وغير نسقية ولا ترقى للمستويات المعروضة آنفا، وهم أنفسهم نادرا ما واتتهم الجرأة على أن يعتبروا أنفسهم فلاسفة، فإن المسائل الفلسفية فرضت نفسها عليهم، بحيث إن إسهامهم الفلسفي جزء تكميلي لتاريخ الفلسفة،
43
صفحه نامشخص