طبیعیات در علم کلام: از گذشته تا آینده
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
ژانرها
وهذا مبرر كاف لرفضها، فهو لا يقبل بديلا عن البرهان. بدأ بنظرية في المعرفة تقوم على الارتفاع من المحسوسات إلى المعقولات، يقر بالأولى ويثق في الثانية - تماما كأرسطو - أما الوجود فزمانه أرسطي خالص أبدي أزلي، والعالم الطبيعي هكذا قديم أزلي أبدي، لكنه مخلوق أو مفعول أو مصنوع، ولا يستغني عن صانعه مثلما يستغني البيت عن البناء بعد اكتماله، بينما الفاعل الإلهي أشرف وأدخل في باب الفاعلية؛ لأنه يوجد ذلك المفعول ويحفظه باستمرار.
39
هكذا العالم في خلق مستمر - نفس المعول الكلامي لتدميره - لكنه بلا بداية ولا نهاية ولا يجوز عليه العدم؛ إذ «لا نستطيع أن نتصور الإله الكامل معطلا عن فعله، وهو إيجاد العالم.»
40
ويذكرنا هذا بقول هيجل إن الله بدون العالم لا يعود هو الله.
41
الله هو الفاعل المطلق، أما الفاعل المقيد فهو العلل، ومنها إلى المعلولات أو المفعولات، أو العالم الذي يخضع للضرورة والحتمية.
العلية شاملة صارمة، ولا بد وأن تتوقف سلسلة العلل عند علة أولى هي المحرك الأول الأرسطي أو رب الإسلام. هكذا لا يكون الله فاعلا بالطبع، بل عن طريق العلل؛ لأنه أشرف الموجودات وموهبها الوجود، فكيف يكون فاعلا مثلها ؟! الفعل الإلهي ليس مباشرا، بل يسري عن طريق العلل الطبيعية التي أودعها الله قوة التغيير، إنه سريان العلة، فهي قوة طبيعية في الأجسام. فكان ابن رشد من أصحاب الطبائع، أقر بفعل الطبع والطبيعة مستقلا عن الله، وكما هو معروف شن هجومه الضاري على الأشاعرة والغزالي لرفضهم العلية والطبائع والضرورة، فالأشياء عند ابن رشد - كما عند أرسطو - لها خصائصها الذاتية والملازمة لوجودها، والتي تفعل طبقا لها.
هذا حسن، لكن لا يحتاج الأمر لخوض أكثر لتبيان أن العقلانية عنده مطابقة للأرسطية؛ فقد كان متحمسا للعقلانية بقدر ما كان مهووسا بالأرسطية، كان إصراره المبدئي على أن أرسطو الفيلسوف المطلق ولا ينطق إلا بالحق المبين. وحكمته أقصى حد يصل إليه العقل، وبالتالي هدف العاقلين الخلوص للأرسطية ومحاربة كل المتغيرات المتوالية ... بهذا التصور للأرسطية التي تنفصل عنه بسبعمائتين من السنين يقدم لنا ابن رشد أنضج وأبلغ تعبير من غياب التاريخ ومفهوم التقدم من تراثنا وحلول القهقرى والعود إلى الوراء محله.
لقد فصل ابن رشد بين الحقيقة الإلهية والحقيقة الفلسفية، لينفرد بالأخيرة ويجعلها في واقع الأمر تشكيلا للفلسفة الأرسطية، فكان أقرب فلاسفة الإسلام لمعايير الآخر الغربي، فهل لهذا نصر على أنه أعلى من سواه؟
صفحه نامشخص