طبیعت و ما بعد طبیعت: ماده، زندگی، خدا
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
ژانرها
ولكن التغير والتطور مزاج من وجود ولا وجود، هو وجود بما هو بالفعل، ولا وجود بصيرورته من حال إلى حال. فاستكبر معاصره بارمنيدس هذا التناقض الصارخ، ورفع صوته مجلجلا يقول: «يجب التسليم قطعا إما بالوجود أو باللاوجود، واللاوجود محال فلا ييقى إلا الوجود. وكيف يمكن أن يوجد (بالذات) شيء غير الله، فالوجود هو الله.» وتوفرت له بهذه الأقوال وحدة منطقية أو ميتافيزيقية بالمقارنة بين معنيي الوجود واللاوجود، وتحقيق الأول، وتزييف الثاني. وكان أستاذه إكسانوفان قد «نظر إلى عظمة السماء وقال: إن العالم واحد».
وتأثر أفلاطون بما بين أجزاء العالم من نظام وترابط، فأرجع العالم إلى نفس كلية تدبره كما تدبر النفس الجزئية الجسد الحالة فيه، وأبقى عالم المثل كثرة روحية، فكانت الوحدة عنده مادية جزئية. ونشر الرواقيون فكرة الوحدة المادية الكلية بالصورة التي رسمها هرقليطس، وقد اصطنعوا فلسفته بتمامها. وازدادت انتشارا بجهود الأفلاطونية الجديدة، ولا سيما أفلوطين، بكتبه اليونانية وترجماتها اللاتينية والسريانية والعربية.
يتساءل أفلوطين: كيف تصدر كثرة عن الواحد ؟ ويجيب بقوله: إنه بسيط كل البساطة، واحد كل الوحدة، حتى ليجب أن ننفي عنه التعقل والفهم، تعقل ذاته وسائر الأشياء لنكثر العاقل والتعقل والمعقول. فإذا جاء شيء بعده فإنما يجيء بتوجه الواحد إلى ذاته أبدا. وما يأتي من الواحد يأتي من دون ميل ولا إرادة؛ إذ ليس خارجه موجود يتحرك إليه ... كل موجود يصل إلى كماله يلد، فالموجود الكامل دائما يلد دائما ... إنه باتجاهه إلى ذاته يرى، وهذه الرؤية هي العقل (الكلي) الذي هو كلمته وفعله وصورته. ويتأمل العقل الأشياء التي في مقدور الواحد، فيلد النفس (الكلية). ومن هذه الكثرة يولد العدد والكم والكيف، ثم تأتي سائر الأشياء، فإن النفس (الكلية) تنظر صوب العقل (الكلي) فتحصل على معانيها، وتلد موجودات أدنى منها: هي التي خلقت الحيوانات بأن نفخت فيها الحياة، وخلقت الكواكب، والسماء الرحيبة، ووضعت فيها النظام. وبسبب هذه النفس كان العالم إلها في مظاهر مختلفة.
وقد عرف المفكرون الإسلاميون مواقف الفلاسفة اليونان في الألوهية، ووجد بينهم من اصطنعوا المواقف المتطرفة على ما في ذلك من خطر. وجد «معطلة» لا يثبتون الله، بعضهم قصروا في التوحيد بين الله وصفاته حتى وصفوا الخالق بصفات الأجسام، وبلغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المحدثات، فدعوا بالمجسمة والمشبهة، ولو أنهم استدركوا بقولهم: ومع ذلك جسم لا كالأجسام، ولا يشبه شيئا من المخلوقات. وغلا المعتزلة في التوحيد بين الله وصفاته حتى وصلوا إلى التعطيل بنفي الصفات، قائلين: إن الله عالم قادر بمعنى أنه ليس بجاهل ولا عاجز. ووجد «دهريون» يزعمون أن «الدهر دائر» لا أول له ولا آخر، فيجوزون مرور العلل إلى غير نهاية بالذات، ويدعون أن العالم لم يزل موجودا كذلك بنفسه لا بصانع. ويلاحظ ابن رشد أن أحدا من الحكماء ليس يجوز وجود أسباب لا نهاية لها؛ لأنه يلزم عنه وجود مسبب من غير سبب، ومتحرك من غير محرك. ووجد من المشبهة من مال إلى مذهب الحلولية، وقال: يجوز أن يظهر الله بصورة شخص، وقد يكون الحلول بجزء، وقد يكون بكل كما في الأحادية. والحلول مذهب الغلاة من الشيعة.
1
أما الأحادية بالذات فقد زخرت أخبارها ووفرت كتبها، من فلسفية وتصوفية، اتبع الفارابي وابن سينا أفكار أفلوطين في صدور الموجودات عن الواحد، الأول، فقالا مثله: إن عن الواحد لا يصدر إلا واحد، أو كان في الله كثرة، وهذا محال. والواحد الصادر صدر عن ضرورة لا عن إرادة وخلق. ثم صدرت عقول أخرى بعدد الأفلاك؛ صدرت هي وأفلاكها كل عن الذي قبله.
وعلى ذلك نقول: إن الموجودات صادرة عن ذات الله، وإنها من ثمة إلهية. وهذا معنى كلمة الحلاج «أنا الحق»، أي إنه مظهر من مظاهر الله. وقال محيي الدين ابن عربي: «ما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف، فوجودنا وجوده، ونحن مفتقرون إليه من حيث وجودنا، وهو مفتقر إلينا من حيث ظهوره لنفسه.»
ووجد في المسيحية - أثناء القرنين الثاني عشر والثالث عشر - أحاديون سافرون، قال أحدهم، واسمه أموري دي بين: «الله وجود الكل.» وإن معنى الخلق إعلان الموجود الأوحد عن مظاهر من ذاته، وإن كل إنسان فهو عضو إلهي كالمسيح، فهو فوق الخطيئة، وكل فعل إنساني فهو صادر عن الله الموجود الأوحد، فلا تغاير بين الخير والشر، ولا موجب لإباء أي شيء على الطبيعة، بل تمنح كل ما تشتهيه. واصطنع دافيد دي دينان الأحادية المادية، فأنكر كل فرق بين المادة والروح والله؛ وقال: إن المادة الأولى أو الهيولي هي الله، والوجود واحد؛ ودليله أنه لكي يختلف شيئان يجب أن يكون فيهما عنصر مشترك وعنصر فاصل أو فارق، وليس بين المادة والروح عنصر مشترك، فليس هناك شيء يفصل بينهما، فهما واحد بالماهية. وقال إيكارت: «ما ليس عين الوجود فهو لا وجود.» ناسيا - كما نسي بارمنيدس - أن ما ليس موجودا بذاته قد يوجد بغيره نوعا من الوجود. وكثيرون غير هؤلاء لا فائدة من إيراد أقوالهم.
وأشهر القائلين بالأحادية في العصر الحديث: جيوردانو برونو، وباروخ سبينوزا، وأربعة ألمان هم: فختي، وشلنج، وهجل، وشوبنهور، وصلوا إليها عن طريق مناقشة فلسفة كنط. أقام برونو فلسفته على فكرتين أساسيتين: هما الوحدة واللانهاية. الوحدة ترابط الأجزاء ونظامها، واللانهاية امتداد الكون إلى غير حد في المكان وفي الزمان. من حيث المكان الكون مليء بعوالم لا تحصى، ما نظامنا الشمسي إلا واحد منها. ويملأ الكون أثير لا متناه منطو على بذور أو عناصر الأشياء، وغاياتها، وقوانين نموها. وهي مادية روحية معا، أزلية أبدية، وهذه هي اللانهاية في الزمان، تجتمع وتفترق، فتؤلف الأشياء. لم يخلقها الله بالإرادة أو عن شهوة (كما قال الهنود)؛ إذ ليس الكمال الأعظم بحاجة إلى شيء، بل وجدت عنه بضرورة ذاتية. وهو حاضر لدى الأشياء حضور الوجود للموجود، أو حضور الجمال للجميل. هو الواحد المطلق؛ هو جميع الأشياء؛ وليس شيئا منها. وهو ليس عقلا؛ إذ إن المعرفة تفترض عارفا ومعروفا؛ والواحد أرفع من هذه الثنائية، وهو أرفع من الوجود، بمعنى أنه منبع كل وجود. فلا نضيف إليه أي محمول، لا الوجود ولا الماهية ولا الحياة، فإنه أعلى من هذه الإضافات، وإنما نقول: إنه يلد العقل (الكلي)، والعقل يلد النفس (الكلية). والنفس تلد جميع الصور المطوية فيه.
وسبينوزا معدود إمام المذهب في الفلسفة الحديثة: صاغه صياغة محكمة بمبادئه ونتائجها ونتائج نتائجها، مبرهنة كلها على الطريقة الهندسية، كي يتفق شكله القياسي مع موضوعه النازل من المبدأ الأول إلى الصفات والأحوال. المبدأ أن الوجود أجمع جوهر واحد، له صفات كثيرة جدا، لكنا لا نعرف منها سوى اثنتين، هما الفكر والامتداد، والجزئيات أحوال للصفات: النفوس أحوال الفكر، والأجسام أحوال الامتداد، وهو علة ذاتية أو باطنة، لا علة مفارقة؛ إذ ليس للأشياء قدرة وفعل. وإذا قلنا: إن الله علة حرة، فليس ذلك بمعنى أن الأشياء كان يمكن أن تحدث على خلاف ما هي، بل بمعنى أن الكل يفيض ضرورة عن طبيعته، كما يفيض عن طبيعة المثلث مساواة زواياه لقائمتين. فالبرهنة على وجود الله في هذا المذهب ترجع إلى برهنة على وجود مبدأ وحدة باطن في العالم ذاته. ومبدأ الوحدة أن لكل شيء قدرة ذاتية على الوجود بقدر ما له من حقيقة موضوعية، والله غير متناه، فله قدرة مطلقة على الوجود، وهو موجود مطلقا ، فإن كمال الشيء لا ينتزع منه الوجود، بل على العكس يثبته، وإلا كانت المتناهيات الموجودة بالفعل أعظم قدرة من موجود لا متناه غير متحقق، وهذا خلف. وليس الله كائنا شخصيا، فإن كل شخصية (أو أنا) تتضمن تمايزا من أي شيء آخر (أو تعارضا بلا أنا) ومن ثمة ماهية ما معينة، وكل تعيين فهو حد للماهية المعينة دون سائر الماهيات، وهذا متعارض مع الطبيعة الإلهية اللامتناهية، أي اللا معينة. والله والعالم واحد، وما بينهما سوى فرق في وجهة النظر؛ الله هو «الطبيعة الطابعة»، أي معتبرا في كل ما يلزم ضرورة عن الطبيعة الإلهية، والعالم هو «الطبيعة المطبوعة»، أي جملة الأحوال المتناهية العابرة المعبرة عن الصفات. ولكن الأحوال ضرورية كالصفات، تتطور بضرورة مطلقة: «لا إمكان ولا حدوث في الطبيعة.»
صفحه نامشخص