طبیعت و ما بعد طبیعت: ماده، زندگی، خدا
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
ژانرها
وفي الطبيعة أجسام حية عديدة مختلفة الماهية موزعة في ثلاث ممالك كما يقولون: مملكة النبات، ومملكة الحيوان، ومملكة الإنسان الذي وإن كان حيوانا إلا أنه حيوان عاقل، والعقل يجعل منه كائنا ممتازا للغاية، بينه وبين سائر الحيوانات مسافة سحيقة تستحق له مكانة خاصة. نخطو إذن في دراسة الطبيعة إلى المملكة التالية لمملكة الجماد، والتي توجد قواها وظواهرها في المملكتين الأخريين، فنعرف الحياة على العموم، ثم نعرف الحياة في النبات على الخصوص. ثم ننتقل إلى الحياة الحاسة المشتركة بين الحيوان والإنسان، فإلى الحياة الناطقة أو العاقلة الخاصة بالإنسان وحده على سطح الأرض.
هنا أيضا نلقى المذهب الحسي، ونقرأ له تاريخا طويلا منذ فجر الفلسفة اليونانية، بل قبل بزوغه، إلى عصرنا الحاضر. أشياعه القدماء يتحدثون عن النفس كمبدأ للحياة وقوام للجسم، ولكنهم يعتبرونها مادية، ويجعلها كل منهم شيئا من العنصر الذي رآه مبدأ الأشياء: الماء عند طاليس، أو الهواء عند انكسيمانس، أو النار عند هرقليطس؛ وتصور كل منهم عنصره مدركا ومتحركا بذاته، فوعدوا هيلورفيست
Hylozoïsts
أي: أصحاب المادة الحية. وذهب أنبادوقليس إلى أنها مركبة من العناصر الأربعة. وقال ديموقريطس، صاحب نظرية الجوهر الفرد أو الذرة، والمؤسس الحقيقي للمذهب الحسي: إنها مركبة من أدق الذرات وأسرعها حركة، وهي المستديرة المركبة للنار ألطف المركبات وأكثرها تحركا.
وفي العصر الحديث نجد ديكارت، وقد رد الطبيعة كلها إلى الامتداد والحركة، يقول: إن النبات والحيوان وجسم الإنسان آلات كآلاتنا الصناعية، ولو أنها أكثر تعقيدا وأعجب أفعالا، أي إن الجسم الحي مجموع أجزاء من الامتداد خاضعة لقوانين الميكانيكا، وإن ترتيبها بعضها من بعض كاف لتعليل الظواهر الحيوية. وتبعه كثيرون أو قالوا: إن الحياة ترجع إلى القوى الفيزيقية والكيميائية. ويمكن القول: إن غالبية العلماء والفلاسفة تميل إلى الآلية؛ لأن الآلية تبدو لهم أقرب إلى فكرة العلم، والعلم مجموع من القوانين الكلية الثابتة المتعالية على الفوارق الجزئية والتنوعات الحادثة. وقد كدسوا الحجج آملين أن يبينوا أن ليس للأحياء تفوق على الجماد بالماهية، بل فقط بالتركيب والتعقيد.
والحق أن الناس، ومن بينهم الآليون حين لا يفلسفون، متفقون بداهة على تمايز الحي من غير الحي بخاصتين أساسيتين: إحداهما الحركة الذاتية في كافة الأحياء، أعني التغير باطنيا وظاهريا، والخروج من القوة إلى الفعل، لا الحركة المكانية فقط، بينما المادة الصرف لا حراك لها إلا بدفع من خارج أو إزالة عائق، بحيث إن الحي الذي يفقد هذه الخاصية يعتبر ميتا محروما من الحياة، والخاصية الأخرى الإدراك في بعض الأحياء، لا سيما والإدراك نفسه، فعل أو حركة، وأنه مبدأ باعث على الحركة الذاتية طلبا أو هربا، وهم جميعا يعتقدون أن للكائن الحي قوة باطنة هي علة حياته وأفعاله الحيوية، تسمى بالنفس، والحركة الذاتية مقدمة على الإدراك لوجودها في الأحياء قاطبة، بل هي لهذا السبب الخاصية الأساسية للحياة الأرضية.
ينتج من هذا التعريف أن الأفعال الحيوية باطنية في الحي قارة فيه، وأن هذه الباطنية تفترض فيه أجزاء أو أعضاء متنوعة الوظائف والتراكيب. فلنشرح هاتين الخاصتين: أما باطنية الفعل أو استقراره في الحي، فمعناها أن الفعل الحيوي يصدر عن الحي وينتهي إليه، ولكن من وجهين: أحدهما بالنسبة إلى الحي في جملته، تحرك قوة فيه قوة أخرى، ولا تتعدى الحركة إلى شيء خارجي، بخلاف فعل الجماد فإنه يبدأ في الفاعل ويتجه إلى شيء خارجي، فهو متعد بالذات. والوجه الآخر بالنسبة إلى كل قوة من قوى الحي: يبدأ منها الفعل ويبقى فيها، كالعقل والإرادة، وهذه هي الباطنية بمعنى الكلمة، على ما سنبينه عند الكلام عن النفس الناطقة، وباطنية الحياة من هذا الوجه الثاني. أما ما يبدو في الجماد حركة ذاتية، كانفجار بعض المركبات الكيميائية، فناشئ من اختلال التوازن بين الذرات أو الجسيمات. وتتفاوت الباطنية وتكون الحياة أشرف فأشرف كلما بعد الحي عن تأثير المادة: فالنبات المستغرق كله في المادة يتحرك تنفيذا لغايات مفروضة عليه بالطبع؛ والحيوان يتحرك لذلك ولأجل مدركات يكتسبها بحواسه ويدبر أحواله بحسبها في حدود الإحساس والغريزة، ولغاية لا تفرضها عليه طبيعته، فإن المعرفة الحسية تدع شيئا من عدم التعيين؛ فمن الحيوان ما لا يدرك سوى الأشياء المماسة له، فحركاته ترجع إلى الانبساط والانقباض؛ ومنه ما يدرك أشياء بعيدة منه بفضل ما له من حواس ومن قوة تؤهله للانتقال في المكان؛ والإنسان يتحرك لأجل غاية يعينها بنفسه لنفسه بفضل العقل والإرادة الحرة.
وأما التنوع فباد للعيان، وهو خاص بالحي كباطنية الحركة، فإن الحي كل مركب من أعضاء منسقة فيما بينها بحسب رسم معين لكل نوع، لتأدية وظائف مختلفة متجهة كلها إلى بقاء الحي ونمائه، بينما الجماد متجانس، فكل جزء من الخشب خشب، وكل جزء من الذهب ذهب، حتى ذو الخلية الواحدة، فإنه مركب من ألياف وبروتوبلاسما ونواة؛ فليس هو مجرد كتلة زلالية، ولكنه بناء متنوع متناسب؛ تمثل فيه النواة مركزا مدبرا؛ وإذا حرمت منها الخلية لم تستطع الهضم ولا التمثيل، فهلك، وهذا يكفي لدحض نظرية الحياة الكلية أو المادة الحية عند قدماء اليونان من إيونيين ومن رواقيين قائلين: إن العالم حيوان كبير، وفي العصر الحديث عند كل مشايع لوحدة الوجود ولتطور الموجودات. في الخليقة إذن جميع ظواهر الحياة مصغرة؛ فإنها تولد وتتغذى وتنمو وتتكاثر وتموت. وفي الحي التام أجهزة منها ما هو جملة أعضاء متعاونة على تحقيق غاية مشتركة، كالجهاز الهضمي؛ ومنها ما هو جملة أجزاء ذات طبيعة واحدة تؤدي وظيفة واحدة في البدن بأكمله، كالجهاز العصبي يضم جميع الأعصاب، والجهاز العضلي يضم جميع العضلات. (2) تعريف الحياة النامية
هي المشتركة بين جميع الأحياء التي نعرفها. وقد قلنا: إن لها ثلاث وظائف هي: الاغتذاء والنمو والتوليد. الاغتذاء مرتب بذاته لتحويل المادة الغذائية إلى جوهر الحي، فيحفظ كيانه ويحفظ له الكمية اللائقة بنوعه وبحالته الشخصية. والنمو مرتب بذاته لتحويل كمية الغذاء إلى كمية الحي، والتوليد مرتب بذاته؛ لإيجاد جوهر جديد شبيه بالمولد. ثلاث وظائف متباينة، فلها في النفس النامية ثلاث قوى متباينة. فليس من الصواب إرجاع النمو إلى الاغتذاء، كما قال بعضهم بحجة أن النمو ينتج عن فائض الغذاء، فإن هذا لا يفسر تعيين كمية الحي أو مقداره، إذ إن من شأن الغذاء أن ينضاف بعضه إلى بعض دون حد؛ ولكن القوة المنمية تستخدم فائض الغذاء كمادة يتم بها النمو وهي تدبر جسم الحي وتوجه الحياة، بينما القوة الغاذية تعمل على تمثيل الغذاء وتقديم مادة النمو. «الفج من الثمار له القوة الغاذية دون المولدة، والهرم من الحيوان له الغاذية وليس له المنمية.»
1
صفحه نامشخص