وهذا الداء يصيب جميع الطبقات ويتفشى خاصة بين الجيران لانهم يطلعون على بعضهم البعض بسبب ملاصقة المنازل، كما يتفشى بين الاقارب للعلة ذاتها ولانهم يعرفون شؤونهم الخاصة. ويضرب في الاصدقاء نظرا للالفة والمداخلة بينهم، ولذا ينصح الجاحظ المرء بالاقلال من مخالطة صديقه الحسود، وعدم الافضاء اليه بسره، وعدم مشاورته في اموره.
ويؤكد الجاحظ على الفكرة القائلة انه لا خير يرتجى من الحسود فهو لا يصوب رأيا ولا يدل على خطأ، اذا ملك فتك، واذا «ملك عصى وبغى، حياتك موته وموتك عرسه وسروره. يصدق عليك كل شاهد زور، ويكذب فيك كل عدل مرضي، لا يحب من الناس الا من يبغضك، ولا ينغص الا من يحبك، عدوك بطانة وصديقك علانية» .
بهذا الوصف البليغ صور الجاحظ الحسود واماط اللثام عن نفسه المريضة الحاقدة التي تضمر الشر وتتظاهر بالخير، وتنطوي على الغل، ويرى الجاحظ ان الحياة الاجتماعية، اذا كثر فيها الحسد غدت جحيما لا يطاق، لذا نزع الله من اهل الجنة الغل والحسد ليوفر لهم الحياة الهانئة السعيدة.
ومن صفات الحسود نزوعه الى اظهار حسده او عدم القدرة على كتمانه. ويضرب مثل ابن الزبير الذي لم يستطع اضمار حقده وحسده على اهل البيت في حضرة ابن عباس. ومثل اخوة يوسف الذين حسدوه على جماله وفطنته ومحبة والده اياه فالحوا عليه بالسماح له بمرافقتهم واعطوه المواثيق المؤكدة بالمحافظة عليه.
اما عواقب الحسد فهي العداوة والقطيعة والتفرقة بين الاصدقاء والاقرباء والجيران، وادخال الغم على نفس الحاسد وتنغيص حياته، واستحكام الوساوس على ضميره.
1 / 16