٢- مقدمة الحاسد والمحسود
تبدو المقدمة متصنعة الاسلوب، يتقيد بها صاحبها بالسجع والطباق ويقصد اليها قصدا على غير عادة الجاحظ. وتحدد المقدمة موضوع الكتاب وهو الحسد: اصله، ومظاهره، وخفاياه، وتفشيه في العلماء اكثر من الجهلاء، وفي الاقارب والصالحين والجيران واسباب ذلك.
ويعتبر الجاحظ الحسد داء عضالا يصعب علاجه ينهك الجسد ويورث الضجر والعسرة ويدفع صاحبه الى مراقبة الغير حتى لا يغفل عن شيء من امورهم. والحاسد يحب ان ينزع النعمة التي اعطاها سواه الله لتصير اليه.
اما سبب الحسد فهو حصول الناس على النعم والمراتب دون الحاسد، فاذا وجد الحاسد ذلك تنغص وحزن وحقد على الذين انعم الله عليهم وتمنى ان يحرموا من تلك النعم. فاذا كانت النعمة مالا قال ان صاحبه جمعه حراما، وألّب اقاربه واصدقاءه عليه، وحرضه عليهم ليقطع عنهم معروفه، وذمه وخذله. واذا كان المحسود عالما اتهمه بالابتداع والاتباع والجهل والتزلف لنيل الهبات. واذا كان المحسود ورعا رماه بالتصنع والتظاهر بالنسك لتثق الناس به فيودعون لديه اموالهم ويقبلون شهادته ويثنون عليه.
1 / 15