فى طريق كل نهضة ترمق المستقبل بالأمل، وتغالب مصاعب الحاضر بشدة العزم وطول العمل، تجد صنفين من الناس هم أبدا مثار فتنة ومصدر يأس.
فأما الصنف الأول فهم المعوقون الذين يتعرضون ببلادتهم كل حركة، وبتشاؤمهم كل رجاء، فإذا رأوا مشروعا جيدا خلقوا فى وجهه الصعاب، وإذا رأوا نية صادقة أثاروا حولها الريب، وإذا رأوا طليعة زاحفة وضعوا أمامها العراقيل، كأن سرورهم لا يتم فى هذه الحياة إلا إذا سكبوا من برودهم على كل حرارة فأطفأوا لهبها، واطمأنوا إلى ظلامها، لأنهم لا يحبون الخير، ولا يطيقون أن يروا بوادره تنبت بين الآخرين.
ويأتى بعد هذا الصنف من المعوقين صنف المهرجين، وهم قوم يتفقون مع زملائهم
فى خراب القلب من حب الخير وتمنى نجاحه. بيد أن لهم مسلكا ملتويا فى التعبير عما فى ضمائرهم من شر... فهم فى صفوف العاملين يكثرون السواد، ويملأون الجو هتافا وتصايحا، فإن يكن نصر كانوا أول المطالبين بحقوقهم فى الغنيمة، وإن بدت نذر الكفاح بدأت صيحاتهم العالية تخفت. ونبراتهم الداوية ترتعش. يدفعون غيرهم إلى الأمام بعنف، ثم يبحثون عن أماكنهم هناك... فى مؤخرة الصفوف وقلوبهم تدق رعبا فى انتظار النتيجة...
وكثيرا ما يكون هؤلاء فى مناصب تغريهم بالتطاول والسفاهة على الجمهور النقى
من المؤمنين المخلصين.
وفى الصنفين جميعا يقول القرآن الكريم:
(قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا * أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم).
وأمثال هؤلاء الناس يستطيعون أن يبرزوا على عجل فى أى ميدان. فليس أيسر على المعوق والمهرج من الظهور، ما دامت وسائل التقدم لا تعنى أكثر من حنجرة صياحة، ونفس ملحاح، وحياء قليل، وثبات ضئيل..
صفحه ۱۳۰