وكان رضوان يفكر في أمور بعيدة فإذا به يسأل الباشا: هب النحاس باشا يسقط أفلا تعدل عن السفر؟!
فلوح الباشا بيده ساخطا وقال: فليبق بنحسه حتى أعود على الأقل من الحج! ...
ثم وهو يهز رأسه: كلنا مذنب، والحج يغسل الذنوب ...
فضحك حلمي عزت قائلا: إنك يا باشا مؤمن، وإن إيمانك لمما يحير الكثيرين! - لمه؟ إن الإيمان واسع الصدر، والمنافق وحده الذي يدعي البراءة المطلقة، ومن الغباء أن تظن أن الإنسان لا يقترف الذنوب إلا على جثة الإيمان، ثم إن ذنوبنا أشبه بالعبث الصبياني البريء!
فقال علي مهران متنهدا في ارتياح: يا له من قول جميل. والآن دعني أصارحك بأنني تشاءمت كثيرا حين حدثتني عن اعتزامك الحج، وساءلت نفسي: ترى أهي التوبة؟ وهل تنتهي بالنسبة لنا مسرات الحياة ؟!
فضحك الباشا حتى اهتز جذعه وقال: أنت شيطان من صلب شيطان، أتحزنون حقا إذا علمتم أنها التوبة؟ ...
فقال حلمي متأوها: كمن ذبح وليدها في حجرها!
فضحك عبد الرحيم باشا مرة أخرى وقال: آه منكم يا أولاد الإيه، علي مثلي إذا أراد التوبة حقا أن ينأى بنفسه عن العيون النجل والخدود الوردية، وأن يعكف على مجاورة قبر النبي عليه الصلاة والسلام ...
فهتف مهران في شماتة: الحجاز وما أدراك ما الحجاز، لقد حدثني عنها العارفون، ستكون كالمستجير من الرمضاء بالنار!
فقال حلمي عزت كالمحتج: لعلها دعاية كاذبة كالدعايات الإنجليزية، وهل يوجد في الحجاز كله وجه كوجه رضوان؟!
صفحه نامشخص