163

ومضت خديجة تراقب مظاهر هذا النشاط الغريب في دهشة مقرونة بالامتعاض والسخط، حتى قالت يوما لزوجها: لم أر بيتا كبيتي عبد المنعم وأحمد، لعلهما قهوتان وأنا لا أدري، فلا يجيء المساء حتى يمتلئ الطريق بالزوار من أصحاب اللحى والخواجات، لم أسمع عن شيء كهذا من قبل.

فهز الرجل رأسه قائلا: آن لك أن تسمعي ...!

فقالت بحدة: إن مرتبيهما لن يكفيا ثمن القهوة التي تقدم للضيوف! - هل اشتكيا إليك الفقر ؟ - والناس؟ ماذا يقولون وهم يرون أفواجا تدخل وأفواجا تخرج؟ - كل واحد حر في بيته.

فنفخت قائلة: إن أصوات أحاديثهم التي لا تنتهي تعلو أحيانا حتى تخرج إلى الحارة ... - فلتخرج إلى الحارة أو فلتصعد إلى السماء ...

وتنهدت خديجة من الأعماق وهي تضرب كفا بكف ...

50

كانت فيلا عبد الرحيم باشا عيسى بحلوان تودع الفوج الأخير من الزوار الذين جاءوا يودعونه قبيل سفره إلى الأراضي الحجازية لأداء فريضة الحج ... - إن الحج أمنية قديمة، لعن الله السياسة فهي التي شغلتني عنه عاما بعد عام، ولكن في مثل عمري يجب أن يفكر المرء في أداء اللقاء القريب بربه ...

فقال علي مهران وكيل الباشا: لعن الله السياسة!

فردد الباشا عينيه الذابلتين بين رضوان وحلمي متفكرا ثم قال: قل فيها ما شئت، غير أن لها جميلا في عنقي لا أنساه وهو أنها سلتني عن وحشتي، إن الأعزب العجوز مثلي يلتمس الأنس ولو في الجحيم! ...

فلعب علي مهران حاجبيه وقال: ونحن يا باشا ألم نقم بواجبنا في تسليتك؟ - دون شك، ولكن يوم الأعزب طويل كليل الشتاء، ولا بد للإنسان من رفيق، وإني لأعترف بأن المرأة ضرورة خطيرة، وكم أذكر أمي هذه الأيام! أن المرأة ضرورة حتى لمن لا يتعشقها!

صفحه نامشخص