فى المضاف أو الصراع إنما نوع من أنواع الجور فى القتال، كذلك المضاد فى الكلام هو ضرب من الجور فى قتال الكلام: فكل يتناول كلا. وكذلك يفعل ها هنا أهل المراء: فأحد الفريقين حريص على نفس الغلبة، يبطشون بكل، ولذلك يقال إنهم مشاغبون محبون للقتال. فأما السوفسطائيون فإنهم يمارون فى الكلام طلبا للفخر، لأن مذهبهم كما قلنا مذهب مقتبس من حكمة مخايلة ببرهان مخايل. فالمشاغبون والسوفسطائيون كلامهم كلام واحد، إلا أنه ليس من أجل شىء واحد، بل عماد المشاغب الاستظهار بالغلبة، وعماد السوفسطائى المراءاة بالحكمة، لأن السوفسطائية إنما هى حكمة مخيلة غير موجودة على الصحة. فأما المشاغب فهكذا حاله عند المجادل بمثل من يفتعل الخطوط بالكذب عند الماسح، لأن المشاغب إنما يضع قياسا من الذى يقتاس به الديالقطيقوس وهو المجادل، كمثل ما يفتعل المضلات صاحب الخطوط الكاذبة على الماسح، إلا أن أحدهما ليس بمشاغب من أجل أن وضعه الخطوط الكاذبة لم يكن إلا من أوائل الصناعة ونتائجها. فأما الذى يقتاس بقياس المجادل فمعروف بأنه مشاغب مماحك من قوله إن التربيع من نصف الدائرة ليس كاذبا، وإن قول بروسن الحكيم باطل. فأحد هذين يجوز أن يصرفه إلى المساحة وحدها، لأنه جعل كل كلامه من أوائلها الخاصة بها، والآخر فإنه صرف إلى وجوه كثيرة، لأن من قال إنه لم يعرف الممكن فى كل واحد من الأشياء ولا غير الممكن وإن يصلح ذلك، فإنما يصلح كالتربيع الذى جعل أنطيفون، أو كقول من قال إن المشى بعد العشاء ليس بنافع، ذلك زينون واحد من العوام ليس بطبيب. فلو كانت حال المشاغبات عند المجادل بمثل حال مفتعل الخطوط عند الماسح لما كان ألبتة مشاغبا ولا مماريا.
صفحه ۸۵۰