فعسى أن العلوم لا نهاية لها، ومعروف أن براهينها كذلك. وقد تكون تبكيتا محقا صادقا لأن كل ما جاز لأحد أن يثبت فيه برهانا قد يجوز تبكيت لمن وضع نقيض الحق — كقولك إن كان من وضع أن القطر مقدر، فقد يجوز للمبكت إثبات البرهان أن القطر غير مقدر. من أجل ذلك نحتاج إلى أن نكون بجميع هذه الأشياء وأمثالها مهرة علماء، لأن هذه الأقاويل إنما تثبت من أوائل صناعتها: فما كان منها للمساحة فإنما يقوم بقدر أوائلها ونتائجها، وكذلك ما قيل فى الطب وسائر الصناعات. وأيضا فإن النقائض الكاذبة لا غاية لها بمثل ما قلنا فى العلوم إنها لا نهاية لها، لأن فى كل علم من العلوم مقاييس كاذبة كقولك: قياس مساحى فى المساحة 〈وقياس طبى فى مذهب الطب〉. وقولى: «قياس فى الصناعة» إنما أريد به الذى وضع فى أوائل الصناعة. ولسنا نتفقد ولا نأخذ فى كتابنا هذا جميع أنحاء التبكيت والتهجين من الكلام ما خلا الذى يذهب فيه المجادلون، لأن الأنحاء التى يأخذ فيها أهل التهجين هى عامة لكل صناعة ولكل قوة كلام. فأما التهجين والتبكيت الذى يكون فى ضرب من ضروب العلم على حدته فليست معرفته إلا للحاذق الماهر به: كان متخيلا بالتهجين، أو كان حقا، أو لم يكن. فأما معرفة التهجين والتبكيت الذى يكون من كل مشاغب فتلك واجبة على أهل الجدل، وهم الدياليقطيقيون، لأنا إذا وجدنا ما منه تكون المقاييس المحمودة عن أى الأسماء كانت، فنحن واجدون ما منه يكون التبكيت، لأن التبكيت إنما هو مقياس مناقضة، وإن كان مقياسان متناقضان فهما إذن تبكيت.
فلا محالة أنه قد حصل من كم جهة يكون هذا ومثله من التبكيت، وإذ قد وجدنا ذلك فقد أصبنا النقض عليه لأن فى منازعتها نقضا.
صفحه ۸۲۷