[النفس]
ولكنه سبحانه عرفنا أنفسنا وفناها ، وألهم كل نفس منها فجورها وتقواها ، فجعل فجورها غيا وتقواها هدى ، وجعلنا تبارك وتعالى نموت ونفنى ، لنستدل بالموت وتصاريف طبائع الخلق ، على حكمة تدبيره لنا في الفطرة والصنع ، وليدعونا خوف الفناء ، إلى طلب حياة البقاء ، وجعلنا (1) تبارك وتعالى من جزءين اثنين نفس وجسد ثم ألف بينهما بلطيف تدبيره ، وأحكم تركيبهما بأحسن تصويره ، فجعلهما بعد تباينهما شخصا واحدا مكملا ، وجعل لبقائه وأيام حياته مدة وأجلا ، ثم أمره بعد كموله فيه ، برشده وحضه عليه.
فإن نفسه سمعت له وأطاعت ، وأجابت إلى ما دعا إليه فسارعت ، رشد عند الله واهتدى ، وفاز من الله بثوابه غدا ، وإن نفسه عصته والتوت عليه وأبت ، ما دعي إليه من الرشد فغوت ، ولم تعتصم بالله ، ولم تذكر (2) رحمة من الله ، ضل عند الله فعطب ، (3) وهلك في القيامة وعذب ، فنفس المرء إذا لم ترشد (4) له فشر صاحب ، ودعاة إلى كل هلكة ومعايب ، لأنها لو لا عصمة الله لها في خطاياها أبدا كرارة ، ولصاحبها إلى ما حرم الله أمارة ، كما قال يوسف صلى الله عليه : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ) (53) [يوسف : 53]. وكما قال شعيب صلى الله عليه في توفيق الله ومعونته له على عبادته ، وحسن نظره وعصمته ، ولما كان عليه من رعاية حق الله وأمره من إرادته (5): ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) (88) [هود : 88].
فمن خالف نفسه في خطاياها ، ومال مع الحق عليها ، لم يضرره لها هوى ولا أمر ،
صفحه ۳۴۴